حكم ما لو نكل من توجهت عليه اليمين .
فصل : وإذا نكل من توجهت عليه اليمين عنها قال لي بينة أقيمها استثبته لأحلف على ما أتيقن فذكر أبو الخطاب أنه لا يمهل وإن لم يحلف جعل ناكلا وقيل لا يكون ذلك نكولا ويمهل مدة قريبة وإن قال : ما أريد أن أحلف أو سكت فلم يذكر شيئا نظرنا في المدعى فإن كان مالا أو المقصود منه المال قضي عليه بنكوله ولم ترد اليمين على المدعي نص أحمد فقال : أنا لا أرى رد اليمين وإن حلف المدعى عليه وإلا دفع إليه حقه وبهذا قال أبو حنيفة واختار أبو طالب أن له رد اليمين على المدعي إن ردها حلف المدعي وحكم له بما ادعاه قال : وقد صوبه أحمد فقال ما هو ببعيد يحلف ويستحق هو قول أهل المدينة وروي ذلك عن على Bه وبه قال شريح و الشعبي و النخعي و ابن سيرين و مالك في المال خاصة قال الشافعي في جميع الدعاوى لما روي عن نافع عن ابن عمر [ أن النبي A رد اليمين على طالب الحق ] رواه الدار قطني ولأنه إذا نكل ظهر المدعي وقوي جانبه فتشرع اليمين في حقه كالمدعى عليه قبل نكوله وكالمدعي إذا شهد له شاهدا واحد ولأن النكول قد يكون لجهله بالحال وتورعه عن الحلف على ما لا يتحققه أو للخوف من عاقبة اليمين أو ترفعا عنها مع علمه بصدقه في إنكاره ولا يتعين بنكوله صدق المدعي فلا يجوز الحكم له من غير دليل فإذا حلف كانت بيمينه دليلا عند عدم ما هو أقوى منها كما في موضع الوفاق وقال ابن أبي ليلى لا أدعه حتى يقر أو يحلف .
ولنا قول النبي صلى الله عليه مسلم [ ولكن اليمين على جانب المدعى عليه ] فحصرها في جانب المدعى عليه وقوله [ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ] فجعل في جانب جنس اليمين المدعى عليه كما جعل جنس البينة في جنبة المدعي وقال أحمد : قدم عمر إلى عثمان في عبد له فقال له احلف أنك ما بعته وبه عيب علمته فأنى ابن عمر أن يحلف فرد العبد عليه ولم يرد اليمين على المدعي ولأنها بينة المال فحكم فيها بالنكول كما لو مات و من لا وارث له فوجد الإمام في دفتره دينا له على إنسان فطالبه به فأنكره وطلب منه اليمين فأنكره فإنه لا خلاف أن اليمين لا ترد وقد ذكر أصحاب الشافعي في هذا أنه يقضي بالنكول في أحد الوجهين وفي الآخر يحبس المدعى عليه حتى يقر أو يحلف وكذلك لو ادعى رجل على ميت أنه وصى إليه بتفريق الثلث وأنكر الورثة ذلك ونكلوا عن اليمين قضى عليهم والخبر لا تعرف صحته ومخالفة ابن عمر له في القصة التي ذكرنها تدل على ضعفه فإنه لم يرد اليمين على المدعي ولا ردها عثمان فعلى هذا إذا نكل عن اليمن قال له الحاكم إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا فإن حلف وإلا قضي عليه وعلى القول الآخر يقول له لك رد اليمين على المدعي فإن ردها حلف وقضي له وإن نكل عن اليمين سئل عن سبب نكوله فإن قال لي بينة أقيمها أو حساب أستثبته لأحلف على ما أتيقنه أخرت الحكومة وإن قال ما أريد أن أحلف سقط حقه من اليمين فلو بذلها في ذلك المجلس بعد هذا لم تسمع منه إلى أن يعود في مجلس آخر فإن قبل المدعى عليه لو امتنع من اليمين ثم بذلها سمعت منه فلم منعتم سماعها ههنا ؟ قلنا اليمين في حق المدعى عليه هي الأصل فمتى قدر عليه أبذلها وجب قبولها والمصير إليها كالمبدلات مع إبدالها وأما يمين المدعي فهي بدل فإذا امتنع منها لم ينتقل الحق إلى غيره فإذا امتنع منها سقط حقه منها لضعفها وأما إذا حلف وقضى له فعاد المدعى عليه وبذل اليمين لم يسمع منه وهكذا لو بذلها بعد الحكم عليه بنكولة لم يسمع لأن الحكم قد تم فلا ينقض كما لو قامت به بينة فأما غير المال وما لا يقصد به المال يقضى فيه بالنكول نص عليه أحمد في القصاص .
ونقل عنه في رجل ادعى على رجل أنه قذفه فقال : استحلفوه فإن قال لا أحلف أقيم عليه قال أبو بكر : هذا قول قديم والمذهب أنه لا يقضي في شيء من هذا بالنكول ولا فرق بين القصاص في النفس والقصاص في الطرف وبهذا قال أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة : يقضي بالنكول في القصاص فيما دون النفس وعن أحمد مثله والأول هو مذهب لأن هذا أحد نوعي القصاص فأشبه النوع الآخر فعلى هذا ما يصنع فيه وجهان أحدهما : يخلى سبيله لأنه لم يثبت عليه حجة وتكون فائدة شرعية اليمين الردع والزجر والثاني : يحبس حتى يقر أو يحلف وأصل الوجهين المرأة إذا نكلت عن اللعان