مسألة وفصل : حكم من صلى مجتهدا في القبلة فأخطأ .
مسألة : قال : وإذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم علم أنه قد أخطأ القبلة لم يكن عليه إعادة .
وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا لم يلزمه الإعادة وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده وبهذا قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر يلزمه الإعادة لأنه بان له الخطأ في شرطه من شروط الصلاة فلزمته الإعادة كما لو بان له أنه صلى قبل الوقت أو بغير طهارة أو ستارة .
ولنا : ما روى عامر بن ربيعة عن أبيه قال : كنا مع النبي A في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله فلما أصبحنا ذكر ذلك للنبي A فنزل : { فأينما تولوا فثم وجه الله } رواه ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان وفيه ضعف وعن عطاء [ عن جابر : كنا مع رسول الله A في مسير فأصابنا غيم فتحيرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا فذكرنا ذلك للنبي A فلم يأمرنا بالإعادة وقال : وقد أجزأتكم صلاتكم ] رواه الدارقطني وقال : رواه محمد بن سالم عن عطاء ويروى أيضا عن محمد بن عبد الله العمري عن عطاء وكلاهما ضعيف وقال العقيلي : لا يروى متن هذا الحديث من وجه يثبت وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله A كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } فمر رجل ببني سلمة وهو ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى : ألا أن القبلة قد حولت فمالوا كلهم نحو القبلة ومثل هذا لا يخفي على النبي A ولا يترك إنكاره إلا وهو جائز وقد كان ما مضى من صلاتهم بعد تحويل القبلة إلى الكعبة وهو صحيح ولأنه أتى بما أمر فخرج عن العهدة كالمصيب ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر فلم تجب عليه الإعادة كالخائف يصلي إلى غيرها ولأنه شرط عجز عنه فأشبه سائر الشروط وأما المصلي قبل الوقت فأنه لم يؤمر بالصلاة وإنما أمر بعد دخول الوقت ولم يأت بما أمر بخلاف مسألتنا فأنه مأمور بالصلاة بغير شك ولم يؤمر إلا بهذه الصلاة وسائر الشروط إذا عجز عنها سقطت كذا ههنا وأما إذا ظن وجودها فأخطأ فليست في محل الاجتهاد فنظيره إذا اجتهد في مسألتنا في الحضر فأخطأ .
فصل : لا فرق بين أن تكون الأدلة ظاهرة مكشوفة واشتبهت عليه أو مستورة بغيم أو شيء يسترها عنه بدليل الأحاديث التي رويناها فان الأدلة اشتريت عنهم بالغيم فلم يعيدوا ولأنه أتى بما أمر به في الحالين وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين فاستويا في عدم الإعادة