فصل : في المال يثبت لمدعيه بشاهد ويمين .
فصل : وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رصي الله عنهم وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز و الحسن و شريح و إياس و عبد الله بن عتيبة و أبي سلمة بن عبد الرحمن و يحيى بن يعمر و ربيعه و مالك و ابن أبي ليلى و أبي الزناد و الشافعي وقال الشعبي و النخعي وأصحاب الرأي و الأوزاعي : لا يقضى بشاهد ويمين قال محمد بن الحسن : من قضى بالشاهد واليمين نقضت حكمه لأن الله تعالى قال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } فمن زاد فقد زاد في النص والزيادة في النص نسخ ولأن النبي A قال [ البينة على المدعي واليمين على من أنكر ] فحصر اليمين في جانب المدعى عليه كما حصر البينة في جانب المدعي .
ولنا ما روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : قضى رسول الله A باليمين مع الشاهد الواحد رواه سعيد بن منصور في سننه والأئمة من أهل السنن والمسانيد قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وفي الباب عن علي وابن عباس وجابر ومسروق وقال النسائي : إسناد حديث ابن عباس في اليمين مع الشاهد إسناد جيد ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقة وقوي جانبه ولذلك شرعت في حق صاحب اليد لقوة جنبته بها وفي حق المنكر لقوة جنبته فإن الأصل براءة ذمته والمدعي ههنا قد ظهر صدقه فوجب أن تشرع اليمين في حقه ولا حجة لهم في الآية لأنها دلت على مشروعية الشاهدين والشاهد والمرأتين ولا نزاع في هذا وقولهم إن الزيادة في النص نسخ غير صحيح لأن النسخ الرفع والإزالة والزيادة في الشيء تقرير له لا رفع والحكم بالشاهد واليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين ولا يرفعه ولأن الزيادة لو كانت متصلة بالمزيد عليه لم ترفعه ولم تكن نسخا وكذلك إذا انفصلت عنه ولأن الآية واردة في التحمل دون الأداء ولهذا قال { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } والنزاع في الأداء وحديثهم ضعيف وليس هو للحصر بدليل أن اليمين تشرع في حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها وفي حق الأمناء لظهور جنايتهم وفي حق الملاعن وفي القسامة وتشرع في حق البائع والمشتري إذا اختلفا في ثمن والسلعة قائمة وقول محمد في نقض قضاء من قضى بالشاهد واليمين يتضمن القول بنقض فضاء رسول الله A والخلفاء الذين قضوا به وقد قال الله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } والقضاء بما قضى به محمد بن عبد الله A أولى من قضاء محمد بن الحسن المخالف له .
فصل : قال القاضي : يجوز أن يحلف على ما لا تسوغ الشهادة عليه مثل أن يجد بخطه دينا له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقا ولم يذكره أو يجد في رزمانج أبيه بخطه دينا له على إنسان ويعرف من أبيه الأمانة وأنه لا يكتب إلا حقا فله أن يحلف عليه ولا يجوز أن يشهد به ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز أن يحلف عليه ولم يجز له أن يشهد به وبهذا قال الشافعي والفرق بين اليمين والشهادة من وجهين : .
أحدهما : أن الشهادة لغيره فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه ولا يحتمل هذا فيما يحلف عليه لأن الحق إنما هو للحالف فلا يزور أحد عليه والثاني : أن ما يكتبه الإنسان من حقوقه يكثر فينسى بعضه بخلاف الشهادة .
فصل : وكل موضع قبل فيه الشاهد واليمين فلا فرق بين كون المدعي مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة نص عليه أحمد لأن من شرعت في حقه واليمين لا يختلف حكمه باختلاف هذه الأوصاف كالمنكر إذا لم تكن بينة .
فصل : قال أحمد : مضت السنة أن يقضي باليمين مع الشاهد الواحد فإن أبى أن يحلف استحلف المطلوب وهذا قول مالك و الشافعي ويروي عن أحمد فإن أبىالمطلوب أن يحلف ثبت الحق عليه .
فصل : ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي وبه قال الشافعي وقال مالك : يقبل ذلك في الأموال لأنهما في الأموال أقيمتا مقام الرجل فحلف معهما كما يحلف مع الرجل .
ولنا أن البينة على المال إذا خلت من الرجل لم تقبل كما لو شهد أربع نسوة وما ذكروه يبطل بهذه الصورة فإنهما لو أقيمتا مقام رجل من كل وجه لكفى أربع نسوة مقام رجلين ولقبل في غير الأموال شهادة رجل وامرأتين ولأن شهادة المرأتين ضعيفة تقوت بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف فلا يقبل .
فصل : إذا ادعى رجل على رجل أنه سرق نصابا من حرزه وأقام بذلك شاهدا وحلف معه أو شهد له بذلك رجل وامرأتان وجب المال المشهود به إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا ولا يجب القطع لأن هذه حجة في المال دون القطع وإن ادعى رجل أنه قتل وليه عمدا فأقام شاهدا وامرأتين أو حلف مع شاهده لم يثبت قصاص ولا دية والفرق بين المسألتين أن السرقة توجب القطع والغرم معا فإذا لم يثبت أحدهما ثبت الآخر والقتل العمد موجبه القصاص عينا في إحدى الروايتين والدية بدل عنه ولا يجب البدل ما لم يوجد المبدل .
وفي الرواية الأخرى الواجب أحدهما لا بعينه فلا يحوز أن يتعين أحدهما إلا باختيار أو التعذر ولم يوجد واحد منهما .
وقال ابن أبي موسى : لا يجب في المال السرقة أيضا إلا بشاهدين لأنها شهادة على فعل يوجب الحد والمال فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الأخرى والأول أولى لما ذكرناه وإن ادعى رجل على رجل أنه ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فقتله خطأ وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا وحلف معه ثبت قتل الثاني لأنه خطأ موجبه المال ولم يثبت قتل الأول لأنه عمد موجبة القصاص فهما كالجنايتين المفترقتين وعلى قوا أبي بكر لا يثبت شيء منهما لأن الجناية عنده لا تثبت إلا بشاهدين سواء كان موجبها المال أو غيره ولو ادعى رجل على آخر أنه سرق منه وغصبه مالا فحلف بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه فأقام المدعي شاهدا وامرأتين شهدا بالسرقة والغصب وأقام شاهدا وحلف معه استحق المسروق والمغضوب لأنه أتى ببينة يثبت ذلك بمثلها ولم يثبت طلاق ولا عتاق لأن هذه البينة حجة في المال دون الطلاق والعتاق وظاهر مذهب الشافعي في هذا الفصل كمذهبنا إلا فيما ذكرناه من الخلاف عن أصحابنا .
فصل : ولو ادعى جارية في يد رجل أنها أم ولده وأن ابنها ابنه منها ولد في ملكة وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو حلف مع شاهده حكم له بالجارية لأن أم الولد مملوكة له ولهذا يملك وطأها وإجارتها وتزويجها ويثبت لها حكم الاستيلاد بإقراره لأن إقراره ينفذ في ملكه ويثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين ولا يحكم له بالولد لأنه يدعي نسبه والنسب لا يثبت بذلك ويدعي حريته أيضا فعلى هذا يقر الولد في يد المنكر مملوكا له وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر : يأخذها وولدها ويكون ابنه لأن من يثبت له العين ثبت له نماؤها والولد نماؤها وذكر أبو الخطاب فيها عن أحمد روايتين كقولي الشافعي .
ولنا أنه لم يدع الولد ملكا وإنما يدعي حريته ونسبه وهذان لا يثبتان بهذه البينة فيبقيان على ما كانا عليه .
فصل : وإن ادعى رجل أنه خالع امرأته فأنكرت ثبت ذلك بشاهد وامرأتين أو يمين المدعي لأنه يدعي المال الذي خالعت به وإن ادعت ذلك المرأة لم يثبت إلا بشهادة رجلين لأنها لا تقصد منه الفسخ وخلاصها من الزوج لا يثبت ذلك إلا بهذه البينة