مسألة وفصلان القسمة وقسمة المكيلات والموزونات وغيرها .
كتاب القسمة : الأصل في القسمة قول الله تعالى : { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر } وقوله تعالى : { وإذا حضر القسمة أولو القربى } الآية وقول النبي A : [ الشفعة فيما لم يقسم ] فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وقسم النيي A خيبر على ثمانية عشر سهما وكان يقسم الغنائم .
وأجمعت الأمة على جواز القسمة ولأن بالناس حاجة إلى القسمة ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف على إيثاره ويتخلص من سوء المشاركة وكثرة الأيدي .
مسألة : قال : وإذا أتاه شريكان في ربع أو نحوه فسألاه أن يقسمه بينهما قسمه وأثبت في القضية بذلك أن قسمه إياه بينهما كان عن إقرارهما لا عن بينة شهدت لهما بملكهما .
إذا ثبت هذا فإن الشريكين في أي شيء كان ربعا أو غيره والربع هو العقار من الدور ونحوها إذا طلبا من الحاكم أن يقسمه بينهما أجابهما إليه وإن لم يثبت عنده ملكهما وبهذا قال أبو يوسف و محمد .
وقال أبو حنيفة إن كان عقارا نسبوه إلى ميراث لم يقسمه حتى يثبت الموت والورثة لأن الميراث باق على حكم ملك الميت فلا يقسمه احتياطا للميت وأما ما عدا العقار يقسمه وإن كان ميراثا لأنه يبور ويهلك وقسمته تحفظه وكذا العقار الذي لا ينسب إلى الميراث وظاهر الشافعي أنه لا يقسم عقارا كان أو غيره ما لم يثبت ملكهما لأن قسمه بقولهم لو رفع بعد ذلك إلى حاكم آخر يستسهله أن يجعله حكما لهم ولعله يكون لغيرهم ولنا أن اليد تدل على الملك ولا منازع لهم فيثبت لهم من طريق الظاهر ولهذا يجوز لهم التصرف ويجوز شراؤه منهم وانتهابه واستئجاره وما ذكره الشافعي يندفع إذا ثبت في القضية إني قسمته بينهم بإقرارهم لا عن بينة شهدت لهم بملكهم وكل ذي حجة على حجته وما ذكروه أبو حنيفة لا يصح لأن الظاهر ملكهم ولا حق للميت فيه إلا أن يظهر عليه دين وما ظهر والأصل عدمه ولهذا اكتفينا به غير القعار وفيما لم ينسبوه إلى الميراث .
فصل : وتجوز قسمة المكيلات والموزونات من المطعومات وغيرها لأن جواز قسمة الأرض مع اختلافها يدل على جواز قسمة ما لا يختلف بطريق التنبيه وسواءفي ذلك الحبوب والثمار والنورة والأشنان والحديد والرصاص ونحوها من الجامدات والعصير والخل واللبن والعسل والسمن والدبس والزيت والرب ونحوها من المائعات وسواء قلنا إن القسمة بيع أو إفراز حق لأن بيعه جائز وافرازه جائز فان كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمها كل نوع على حدته أجبر الممتنع وان طلب قسمها أعيانا بالقيمة لم يجبر الممتنع لان هذا بيع نوع بنوع آخر فليس بقسمة فلم يجبر عليه كغير الشريك فان تراضيا عليه جاز وكان بيعا يعتبر فيه التقابض قبل التفرق فيما يعتبر التقابض فيه وسائر شروط البيع .
فصل : فان كان بينهما ثياب أو حيوان أو أواني أو خشب أو عمد أو أحجار فاتفقا على قسمتها جاز لأن النبي A قسم الغنائم يوم بدر ويوم خيبر وهي تشتمل على أجناس من المال وسواء اتفقا على قسمة كل جنس بينهما أو على قسمتها أعيانا بالقيمة وان طلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته وطلب الآخر قسمته أعيانا بالقيمة قدم قول من طلب قسمة كل نوع على حدته إذا أمكن وان طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر وكان مما لا يمكن قسمته الا بأخذ عوض عنه من غير جنسه أو قطع ثوب في قطعه نقص أو كسر اناء أو ورد عوض لم يجبر الممتنع وان أمكن قسمة كل نوع على حدته من غير ضرر ولا رد عوض فقال القاضي يجبر الممتنع وهو ظاهر مذهب الشافعي وهو قول أبي الخطاب : لا أعرف في هذا عن امامنا رواية ويحتمل ان لا يجبر الممتنع وهو قول ابن خير ان من أصحاب الشافعي لأن هذا انما يقسم أعيانا بالقيمة فلم يجبر الممتنع عليه كما لا يجبر على قسمة الدور بأن يأخذ هذا دارا وكالجنسين المختلفين .
ووجه الأول أن الجنس الواحد كالدار الواحدة وليس اختلاف الجنس الواحد في القيمة بأكثر من اختلاف قيمة الدار الكبيرة والقرية العظيمة فان أرض القرية تختلف سيما اذا كانت ذات أشجار مختلفة وأراض متنوعة والدار ذات بيوت واسعة وضيقة وحديثة وقديمة ثم هذا الاختلاف لم يمنع الاجبار على القسمة كذلك الجنس الواحد وفارق الدور فانه أمكن قسمة كل دار على حدتها وههنا لا يمكن قسمة كل ثوب منها أو اناء على حدته وان كانت الثياب أنواعا كالحرير والقطن والكتان فهي كالأجناس وكذلك سائر الأموال ويقسم النوع الواحد منه وبه قال الشافعي و أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يقسم الرقيق قسمة اجبار لأنه تختلف منافعه ويقصد منه العقل والدين والفطنة وذلك لا يقع فيه التعديل .
ولنا ان النبي A جزأ العبيد الذين أعتقهم الأنصاري في مرضه ثلاثة أجزاء ولأنه نوع حيوان يدخله التقويم فجازت قسمته كسائر الحيوان وما ذكره غير صحيح لأن القيمة ذلك تجمع ذلك وتعد له كسائر الأشياء المختلفة