مسائل وفصول في أحكام الشهور .
فصل : وإن ادعى عل شاهدين أنهما شهدا عليه زورا أحضرهما فإن اعترفا أغرمهما وإن أنكرا وللمدعي بينة على إقرارهما بذلك فأقامها لزمهما ذلك وإن أنكرا لم يستحلفا لأن إحلافهما يطرق عليهما الدعاوى في الشهادة والامتهان وربما منع ذلك إقامة الشهادة وهذا قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا .
مسألة : قال : وإذا شهد عنده من لا يعرفه سأل عنه فإن عدله اثنان قبل شهادته .
وجملته أنه إذا شهد عند الحاكم شاهدان فإن عرفهما عدلين حكم بشهادتهما وإن عرفهما فاسقين لم يقبل قولهما وإن لم يعرفهما سأل عنهما لأن معرفة العدالة شرط في قبول الشهادة بجميع الحقوق وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف ومحمد وعن أحمد رواية أخرى بشهادتهما إذا عرف إسلامهما بظاهر الحال إلا أن يقول الخصم هما فاسقان وهذا قول الحسن والمال والحد في هذا سواء لأن الظاهر من المسلمين العدالة ولهذا قال عمر Bه المسلمون عدول بعضه على بعض .
[ وروي أن إعرابيا جاء إلى النبي A فشهد برؤية لهلال فقال له النبي A : أتشهد ألا إله إلا الله ؟ فقال نعم فقال : أتشهد أني رسول الله ؟ قال نعم فصام وأمر الناس بالصيام ] ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله تعالى ودليل ذلك الإسلام فإذا وجد فليكتف به ما لم يقم على خلافه دليل وقال أبو حنيفة في الحدود والقصاص كالرواية وفي سائر الحقوق كالثانية لأن الحدود والقصاص ما يحتاط لها وتندرىء بالشهبات بخلاف غيرها .
ولنا أن عدالة شرط فرجب العلم بها كالإسلام أو كما لو طعن الخصم فيهما فأما الإعرابي المسلم فإنه كان من أصحاب الرسول الله A وقد ثبتت عدالتهم بثناء الله تعالى عليهم فإن من ترك دينه في زمن رسول الله A ايثارا لدين الإسلام وصحبة رسول الله A ثبتتت عدالته .
وأما قول عمر فالمراد به أن الظاهر العدالة ولا يمنع ذلك في وجوب البحث ومعرفة حقيقة العدالة فقد روي عنه أنه أتي بشاهدين فقال لهما عمر لست أعرفكما ولا يضر كما أن لم أعرفكما جيئا بمن يعرفكما فأتيا برجل فقال له عمر تعرفهما ؟ فقال نعم فقال عمر صحبتهما في السفر الذي تبين فيه جواهر الناس ؟ قال لا قال عاملتهما في الدنانير والدارهم التي تقطع فيها الرحم ؟ قال لا قال كنت جارا لهما تعرف صباحهما ومساءهما ؟ قال لا قال يا ابن أخي لست تعرفهما جيئا بمن يعرفكما وهذا بحث يدل على أنه لا يكتفى بدونه .
إذا ثبت هذا فإن الشاهد يعتبر فيه أربعة شروط : الإسلام والبلوغ والعقل والعدالة فليس فيها ما يخفى ويحتاج إلى البحث إلا العدالة فيحتاج إلى البحث عنها لقول الله تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } ولا نعلم أنه مرضي حتى نعرفه أو نخبر عنه فيأمر الحاكم بكتب أسمائهم وكناهم ونسبهم ويرفعون فيها بما يتميزون به عن غيرهم ويكتب صنائعهم ومعائشهم وموضع مساكنهم وصلاتهم ليسأل عن جيرانهم وأهل سوقهم ومسجدهم ومحلتهم فيكتب أسود أو أبيض أو أنزع أو أغم أو أشهل أو أكحل أقنى الأنف أو أفطس أو رقيق الشفتين أو غليظهما طويل أو قصير أو ربعة ونحو هذا ليتميز ولا يقع اسم على اسم ويكتب اسم المشهود له والمشهود عليه وقدر الحق ويكتب ذلك كله لأصحاب مسائله لكل واحد رقعة وإنما ذكرنا المشهود له لئلا يكون بينه وبين الشاهد قرابة تمنع الشهادة أو شركه وذكرنا اسم المشهود عليه لئلا تكون بينه وبين الشاهد عداوة وذكرنا قدر الحق لأنه ربما كان ممن يرون قبوله في اليسير دون الكثير فتطيب نفس المزكي به إذا كان يسيرا ولا تطب إذا كان كثيرا .
وينبغي للقاضي أن يخفي عن كل واحد من أصحاب مسائله ما يعطي الآخر من الرقاع لئلا يتواطؤوا وإن شاء الحاكم عين لصاحب مسائله من يسأله ممن يعرفه من جوار الشاهد وأهل الخبرة به وإن شاء أطلق ولم يعين المسؤول ويكون السؤال سرا لئلا يكون فيه هتك المسؤول عنه وربما يخاف المسؤول من الشاهد أو من المشهود له أو المشهود عليه أن يخبر بما عنده أو يستحي وينبغي أن يكون أصحاب مسائله غير معروفين له لئلا يقصدوا بهدية أو رشوة وأن يكونوا أصحاب عفاف في الطعمة والأنفس ذوي عقول وافرة أبرياء من الشحناء والبغض لئلا يطعنوا في الشهود أو يسألوا عن الشاهد عدوه فيطعن فيه فيضيع حق المشهود له ولا يكونون من أهل الأهواء والعصبية يميلون إلى من وافقهم على من خالفهم ويكونون أمناء ثقات لأن هذا موضع أمانة فإذا رجع أصحاب مسائله فأخبر اثنان بالعدالة قبل شهادته وإن أخبرا بالجرح رد شهادته وإن أخبر أحدهما بالعدالة والآخر بالجرح بعث آخرين فإن عادا فأخبرا بالتعديل تمت بينة التعديل وسقط الجرح لأن بينة لم تتم وإن أخبرا بالجرح ثبت ورد الشهادة وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتعديل تمت البينتان ويقدم الجرح ولا يقبل الجرح ولا يقبل الجرخ والتعديل إلا من اثنين ويقبل قول أصحاب المسائل وقيل لا يقبل إلا شهادة المسؤولين ويكلف اثنين منهم أن يشهدوا بالتزكية والجرح عنده على شروط الشهادة في اللفظ وغيره ولا تقبل من صاحب المسألة لأن ذلك شهادة على شهادة مع حصولا شهود الأصل .
ووجه القول الأول إن شهادة أصحاب المسائل شهادة استفاضة لا شهادة فيكتفي بمن يشهد بها كسائر شهادات الاستفاضة ولأنه موضع حاجة فلا يلزم المزكي الحضور للتزكية وليس للحاكم إجباره عليها فصار كالمرض والغيبة في سائر الشهادات ولأننا لو لم نكتف بشهادة أصحاب المسائل لتعذرت التزكية لأنه قد يتفق ألا يكون في جيران الشاهد من يعرفه الحاكم فلا يقبل قوله فيفوت التعديل والجرح .
فصل : قال القاضي : ولا بد من معرفة إسلام الشاهد ويحصل ذلك بأحد أربعة أمور : .
أحدها : اخباره عن نفسه أنه مسلم أو اتيانه بكلمة الإسلام وهي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لأنه لو لم يكن مسلما صار مسلما بذلك .
الثاني : اعتراف المشهود عليه بإسلامه لأن ذلك حق عليه الثالث : خبرة الحاكم لأننا اكتفينا بذلك في عدالته فكذلك فلا إسلامه .
الرابع : بينة تقوم به ولا بد من معرفة الحرية في موضع تعتبر فيه ويكفي في ذلك أحد أمور ثلاثة : بينة أو اعتراف المشهود عليه أو خبرة الحاكم ولا يكفي اعتراف الشاهد لأنه لا يملك أن يصير حرا فلا يملك الإقرار به بخلاف الإسلام .
فصل : وإذا شهد عند الحاكم مجهول الحال فقال المشهور عليه هو عدل ففيه وجهان أحدهما : يلزم الحاكم الحكم بشهادته لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه وقد اعترف بها ولأنه إذا أقر بعدالته فقد أقر بما يوجب الحكم لخصمه عليه فيؤخذ بإقراره كسائر أقاريره .
والثاني : لا يجوز الحكم بشهادته لأن في الحكم بها تعديلا له فلا يثبت بقول واحد ولأن اعتبار العدالة في الشاهد حق لله تعالى ولهذا لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز الحكم به ولأنه لا يخلو أما أن يحكم عليه مع تعديله أو مع انتفائه لا يجوز أن يقال مع تعديله لأن التعديل لا يثبت بقول الواحد ولا يجوز مع انتفاء تعديله لأن الحكم بشهادة غير العدل غير جائز بدليل شهادة من ظهر فسقه ومذهب الشافعي مثل هذا فإن قلنا بالأول فلا يثبت تعديله في حق غير المشهود عليه لأنه لم توجد بينة التعديل وإنما حكم عليه لإقراره بوجود شروط الحكم وإقراره يثبت في حقه دون غيره كما لو أقر بحق عليه وعلى غيره ثبت في حقه دون غيره .
مسألة : قال : وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجراحة أولى .
وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك ينظر أيهما أعدل ؟ اللذان جرحاه أو اللذان عدلاه ؟ فيؤخذ بقول أعدلهما .
ولنا أن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل فوجب تقديمه لأن التعديل يتضمن ترك الريب والمحارم والجارح مثبت لوجود ذلك والإثبات مقدم على النفي ولأن الجارح يقول رأيته يفعل كذا والمعدل مستنده أنه لم يره يفعل ويمكن صدقهما والجمع بين قوليهما بان يراه الجارح يفعل المعصية ولا يراه المعدل فيكون مجروحا .
فصل : ولا يقبل الجرح والتعديل إلا من اثنين وبهذا قال مالك و الشافعي ومحمد بن الحسن و ابن المنذر وروي عن أحمد يقبل ذلك من واحد وهو اختيار أبي بكر وقول أبي حنيفة لأنه خبر لا يعتبر فيه لفظ الشهادة فقبل من واحد كالرواية .
ولنا أنه إثبات صفة من يبني الحاكم حكمه على صفته فاعتبر فيه العدد كالحضانة وفارق الرواية فإنها على المساهلة ولا نسلم أنها لا تفتقر إلى لفظ الشهادة ويعتبر في التعديل والجرح لفظ الشهادة فيقول في التعديل أشهد أنه عدل ويكفي هذا وإن لم يقل علي ولي وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول شريح وأهل العراق و مالك وبعض الشافعية وقال أكثرهم لا يكفيه إلا أن يقول عدل علي ولي واختلفوا في تعليله فقال بعضهم لئلا تكون بينهم عداوة أو قرابة وقال بعضهم لئلا يكون عدلا في شيء دون شيء .
ولنا قول الله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فإذا شهدا أنه عدل ثبت ذلك بشهادتهما فيدخل ذلك في عموم الأمر لأنه إذا كان عدلا لزم أن يكون له وعليه وفي حق سائر الناس وفي كل شيء فلا يحتاج إلى ذكره ولا يصح ما ذكروه فإن الإنسان لا يكون عدلا في شيء دون شيء ولا في حق شخص دون شخص فإنها لا توصف بهذا ولا تنتفي أيضا بقوله عدل علي ولي فإن من ثبتت عدالته لم تزل بقرابة ولا عدواة وإنما ترد شهادته للتهمة مع كونه عدلا ثم أن هذا إذا كان معلوما انتفاؤه بينهما لم يحتج إلى ذكره ولا نفيه عن نفسه كما لو شهد بالحق من عرف الحاكم عدالته لم يحتج إلى أن ينفي عن نفسه ذلك ولأن العداوة لا تمنع من شهادته له بالتزكية وإنما تمنع الشهاة عليه وهذا شاهد له بالتزكية والعدالة فلا حاجة به إلى نفي العدواة .
فصل : ولا يكفي أن يقول لا أعلم منه إلا الخير وهذا مذهب الشافعي وقال أبو يوسف يكفي لأنه إذا كان من أهل الخبرة به ولا يعلم إلا الخير فهو عدل .
ولنا أنه لم يصرح بالتعديل فلم يكن تعديلا كما لو قال أعلم منه خيرا وما ذكروه لا يصح لأن الجاهل بحال أهل الفسق لا يعلم منهم إلا الخير لأنه يعلم إسلامهم وهو خير ولا يعلم منهم غير ذلك وهم غير عدول .
فصل : قال أصحابنا ولا يقبل التعديل إلا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة وهذا مذهب الشافعي لخبر عمر الذي قدمناه ولأن عادة الناس اظهار الصالحات وإسرار المعاصي فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة ربما اغتر بحسن ظاهره وهو فاسق في الباطن وهذا يحتمل أن يريدوا به أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل كما فعل عمر Bه ويحتمل أنهم أرادوا أنه لا تجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا أن تكون له خبرة باطنة فأما الحاكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال فله أن يقبل الشهادة من غير كشف وإن استكشف الحال كما فعل عمر Bه فلا بأس .
فصل : ولا يسمع الجرح إلا مفسرا ويعتبر فيه اللفظ فيقول أشهد أنني رأيته يشرب الخمر أو يعامل بالربا أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم أو سمعته يقذف أو يعلم ذلك باستفاضته في الناس ولا بد من ذكر السبب وتعيينه وبهذا قال الشافعي وسوار وقال أبو حنيفة يقبل الجرح المطلق وهو أن يشهد أنه فاسق أو أنه ليس بعدل وعن أحمد مثله لأن التعديل يسمع مطلقا فكذلك الجرح ولأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا ويوجب عليه الحد في بعض الحالات وهو أن يشهد عليه بالزنا فيفضي الجرح إلى جرح الجارح وتبطيل شهادته ولا يتجرح بها المجروح .
ولنا أن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب النبيذ فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا ولأن الجرح ينقل عن الأصل فإن الأصل في المسلمين العدالة والجرح ينقل عنها فلا بد أن يعرف الناقل لئلا يعتقد نقله بما لا يراه الحاكم ناقلا .
وقولهم أنه يفضي إلى جرح الجارح وإيجاب الحد عليه قلنا ليس كذلك لأنه يمكنه التعريض من غير تصريح فإن قيل ففي بيان السبب هتك المجروح قلنا لا بد من هتكه فإن الشهادة عليه بالفسق هتك له ولكن جاز ذلك للحاجة الداعية إليه كما جازت الشهادة عليه به لإقامة الحد عليه بل ههنا أولى فإن فيه دفع الظلم عن المشهود عليه وهو حق آدمي فكان أولى بالجواز ولأن هتك عرضه بسببه لأنه تعرض للشهادة مع ارتكابه ما يوجب جرحه فكان هو الهاتك لنفسه إذ كان فعله هو المحوج للناس إلى جرحه فإن صرح الجارح بقذفه فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا حد عليه إذا كان بلفظ الشهادة لأنه لم يقصد إدخال المعرة عليه .
ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } الآية ولأن أبا بكرة ورفيقيه شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يكمل زياد شهادته فجلدهم عمر حد القذف بمحضر الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعا ويبطل ما ذكروه بما إذا اشهدوا عليه لإقامة الحد عليه .
فصل : وإذا أقام المدعى عليه بينة أن هذين الشاهدين شهدا بهذا الحق عند حاكم فرد شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما لأن الشهادة إذا ردت لفسق لم تقبل مرة ثانية .
فصل : ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء وقال أبو حنيفة يقبل لأنه لا يعتبر فيه لفظ الشهادة فأشبه الرواية وإخبار الديات .
ولنا أنها شهادة فيما ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فأشبه الشهادة في القصاص وما ذكروه غير مسلم .
فصل : ولا يقبل الجرح من الخصم بلا خلاف بين العلماء فلو قال المشهود عليه هذان فاسقان أو عدوان لي أو آباء للمشهود له لم يقبل قوله لأنه متهم في قوله ويشهد بما يجر إليه نفعا فأشبه الشهادة لنفسه ولو قبلنا قوله لم يشأ أحد أن يبطل شهادة من شهد عليه إلا أبطلها فتضيع الحقوق وتذهب حكمة شرع البينة .
فصل : ولا تقبل شهادة المتوسمين وذلك إذا حضر مسافران فشهدا عند حاكم لا يعرفهما لم تقبل شهادتهما وقال مالك يقبلهما إذا رأى فيهما سيما الخير لأنه لا سبيل إلى معرفة عدالتهما ففي التوقف عن قبولهما تضييع الحقوق فوجب الرجوع فيهما إلى السيماء الجميلة .
ولنا أن عدالتهما مجهولة فلم يجز الحكم بشهادتهما كشاهدي الحضر وما ذكروه معارض بأن قبول شهادتهما يفضي إلى أن يقضي بشهادتهما بدفع الحق إلى غير مستحقه .
فصل : قال أحمد ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كل قليل لأن الرجل ينتقل من حال إلى حال وهل هذا مستحب أو واجب ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : مستحب لأن الأصل بقاء ما كان فلا يزول حتى يثبت الجرح والثاني : يجب البحث كلما مضت مدة يتغير الحال فيها لأن العيب يحدث وذلك على ما يراه الحاكم ولأصحاب الشافعي وجهان مثل هذين .
فصل : وليس للحاكم أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم لأن الله تعالى قال : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولأن فيه إضرارا بالناس لأن كثيرا من الوقائع التي يحتاج إلى البينة فيها تقع عند غير المرتبين فمتى ادعى إنسان شهادة غير المرتبين وجب على الحاكم سماع بينته والنظر في عدالة شاهديه ولا يجوز ردهم بكونهم من غير المرتبين لأن ذلك يخالف الكتاب والسنة والإجماع لكن له أن يرتب شهودا يشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ويستغني الحاكم عن الكشف عن أحوالهم فيكون فيه تخفيف من وجه ويكونون أيضا يزكون من عرفوا عدالته من غيرهم إذا شهد .
فصل : ولا بأس أن يعظ الشاهدين كما روي عن شريح أنه كان يقول للشاهدين إذا حضرا يا هذان ألا تريان ؟ أني لم أدعكما ولست أمنعكما أن ترجعا وإنما يقضي على هذا أنتما وأنا متق بكما فاتقيا وفي لفظ وإني بكما أقضي اليوم وبكما أتقي يوم القيامة .
[ وروى ابو حنيفة قال كنت عند محارب بن دثار وهو قاضي الكوفة فجاء رجل فادعى على رجل حقا فأنكره فاحضر المدعي شاهدين فشهدا له فقال المشهود عليه والذي به تقوم السماء والأرض لقد كذبا علي في الشهادة وكان محارب بن دثار متكئا فاستوى جالسا وقال سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله A يقول : إن الطير لتخفق باجنحتها وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار فإن صدقتما فأثبتا وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما وانصرفا فغطيا رؤوسهما وانصرفا ]