فصلان بعث القضاة وتوليتهم .
فصل : وإذا كان الإمام في بلد فعليه أن يبعث القضاة إلى الأمصار غير بلده ف [ إن النبي A بعث عليا قاضيا إلى اليمن وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن أيضا وقال له : بم تحكم ؟ ـ قال بكتاب الله تعالى قال ـ فإن لم تجد ـ قال فبسنة رسول الله A قال ـ فإن لم تجد ـ قال اجتهد رأيي ـ قال الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله A ] وبعث عمر شريحا على قضاء الكوفة وكعب بن سور على قضاء البصرة وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولية القضاء في الشام لأن أهل كل بلد يحتاجون إلى القاضي ولا يمكنهم المصير إلى بلد الإمام ومن أمكنه ذلك شق عليه فوجب اغناؤهم عنه .
فصل : وإذا أراد الإمام تولية قاض فإن كان له خبرة بالناس ويعرف من يصلح للقضاء ولاه وإن لم يعرف ذلك سأل أهل المعرفة بالناس واسترشدهم على من يصلح وإن ذكر له رجل لا يعرفه أحضره وسأله وإن عرف عدالته وإلا بحث عن عدالته إذا عرفها ولاه ويكتب له عهدا يأمره فيه بتقوى الله والتثبت في القضاء ومشاورة أهل العلم وتصفح أحوال الشهود وتأمل الشهادات وتعاهد اليتامى وحفظ أموالهم وأموال الوقوف وغير ذلك مما يحتاج إلى مراعاته ثم إن كان البلد الذي ولاه قضاءه بعيدا لا يستفيض إليه بالخبر بما يكون في بلد الإمام أحضر شاهدين عدلين وقرأ عليهما العهد وأقرأه غيره بحضرته وأشهدهما على توليته ليمضيا معه إلى بلد ولايته فيقيما له الشهادة ويقول لهما أشهدا على أني قد وليته قضاء البلد الفلان وتقدمت إليه بما اشتمل هذا العهد عليه وإن كان البلد قريبا من بلد الإمام يستفيض إليه ما يجري في بلد الإمام مثل أن يكون بينهما خمسة أيام أو ما دونها جاز أن يكتفى بالاستفاضة دون الشهادة لأن الولاية تثبت بالاستفاضة وبهذا قال الشافعي إلا أن عنده في ثبوت الولاية بالاستفاضة في البلد القريب وجهين وقال أصحاب أبي حنيفة تثبت بالاستفاضة ولم يفصلوا بين القريب والبعيد لأن النبي A ولى عليا ومعاذا قضاء اليمن وهو بعيد من غير شهادة وولى الولاة في البلدان البعيدة وفوض إليهم الولاية والقضاء ولم يشهد وكذلك خلفاؤه ولم ينقل منهم الاشهاد على تولية القضاء مع بلدانهم .
ولنا أن القضاء لا يثبت إلا بأحد الأمرين وقد تعذرت الاستفاضة في البلد البعيد لعدم وصولها إليه فتعين الأشهاد ولا نسلم أن النبي A لم يشهد على توليته فإن الظاهر أنه لم يبعث واليا إلا ومعه جماعة فالظاهر أنه أشهدهم وعدم نقله لا يلزم منه عدم فعله وقد قام دليله فتعين وجوده