مسألتان وفصول شروط من تدفع إليه الكفارة وقدر ما لكل منهم وما يجب أن يعطوا .
كتاب الكفارات : الأصل في كفارة اليمين الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم } الآية وأما السنة فقول النبي A [ إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك ] في اخبار سوى هذا وأجمع المسلمون على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى .
مسألة : قال أبو القاسم C ومن وجبت عليه بالحنث كفارة يمين فهو مخير ان شاء أطعم عشرة مساكين مسلمين أحرار اكبار كانوا أو صغار إذا أكلوا الطعام .
أجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار إن شاء اطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق أي ذلك فعل أجزأه لأن الله تعالى عطف بعض هذه الخصال على بعض بحرف أو وهو للتخيير قال ابن عباس ما كان في كتاب الله ( أو ) فهو مخير فيه وما كان ( فمن لم يجد ) فالأول الأول ذكره الإمام أحمد في التفسير والواجب في الاطعام إطعام عشرة مساكين لنص الله تعالى على عددهم إلا أن لا يجد عشرة مساكين فيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ويعتبر في المدفوع إليهم أربعة أوصاف .
أن يكونوا مساكين وهم الصنفان اللذان تدفع إليهم الزكاة المذكوران في أول أصنافهم في قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } والفقراء مساكين وزيادة لكون الفقير أشد حاجة من المسكين على ما بيناه ولأن الفقر والمسكنة في غير الزكاة شيء واحد لأنهما جميعا اسم للحاجة إلى ما لا بد منه في الكفاية ولذلك لو وصى للفقراء أو وقف عليهم أو للمساكين لكان ذلك لهم جميعا وإنما جعلا صنفين في الزكاة وفرق بينهما لأن الله تعالى ذكر الصنفين جميعا باسمين فاحتيج إلى التفريق بينهما فأما من غير الزكاة فكل واحد من الإسمين يعبر به عن الصنفين لأن جهة استحقاقهم واحدة وهي الحاجة إلى ما تتم به الكفاية ولا يجوز صرفها إلى غيرهم سواء كان من أصناف الزكاة أو لم يكن لأن الله تعالى أمر بها للمساكين وخصهم بها فلا تدفع إلى غيرهم ولأن القدر المذفوع إلى كل واحد من الكفارة قدر يسير يراد به دفع حاجة يومه في مؤنته وغيرهم من الأصناف لا تندفع حاجتهم بهذا لكثرة حاجتهم وإذا صرفوا ما يأخذونه في حاجتهم صرفوه إلى غير ما شرع له .
الثاني أن يكونوا أحرارا فلا يجزىء دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم وبهذا قال مالك و الشافعي واختار الشريف أو جعفر جواز دفعها إلى مكاتب نفسه وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج جواز دفعها إليه بناء على جواز اعتاقه في كفارته لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته أشبه المسكين .
ولنا أن الله تعالى عده صنفا في الزكاة غير صنف المساكين ولا هو في معنى المساكين لأن حاجته غير جنس حاجتهم فدل على أنه ليس بمسكين والكفارة انما هي للمساكين بدليل الآية ولأن المسكين يدفع إليه لتتم كفايته والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته أما كفايته فإنها حاصلة بكبسه وماله فإن لم يكن له كسب ولا مال عجزه سيده ورجع إليه واستغنى بإنفاقه وخالف الزكاة فإنها تصرف إلى الغني والكفارة بخلافها .
الثالث : أن يكونوا مسلمين فلا يجوز صرفها إلى كافر ذميا كان أو حربيا وبذلك قال الحسن و النخعي و الأوزاعي و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجوز دفعها إلى الذمي لدخوله في اسم المساكين فيدخل في عموم الآية ولأنه مسكين من أهل دار الإسلام فأجزأ الدفع إليه من الكفارة كالمسلم وروي نحو هذا عن الشعبي وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب بناء على جواز اعتاقه في الكفارة وقال الثوري يعطيهم أن لم يجد غيرهم .
ولنا أنهم كفارة فلم يجز إعطاؤهم كمستأمني أهل الحرب والآية مخصوصة بهذا فنقيس .
الرابع : أن يكونوا قد أكلوا الطعام فإن كان طفلا لم يطعم لم يجز الدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي وقول القاضي وهو ظاهر قول مالك فإنه قال يجوز الدفع إلى الفطيم وهو إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية : يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم ويقبض للصغير وليه وهو الذي ذكره أبو الخطاب في المذهب وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي قال أبو الخطاب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير ولأن أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير .
ولنا قوله تعالى : { إطعام عشرة مساكين } وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم تعتبر حقيقة أكله اعتبر إمكانه ومظنته ولا تتحقق مظنته فيمن لا يأكل ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة ولم يتعين الإطعام وهذا يقيد ما ذكروه فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة في واحد جاز الدفع إليه سواء كان صغيرا أو كبيرا محجورا أو غير عليه إلا أن من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو يقبض له وكيله والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه .
مسألة : قال : لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق أو رطلان خبرزا أو مدان تمرا أو شعيرا .
أما مقدار ما يعطى كل مسكين وجنسه فقد ذكرناه في باب الظهار ونص الخرقي على أنه يجزىء الدقيق والخبز ونص أحمد عليه أيضا وروي عنه لا يجزىء الخبز وهو قول مالك و الشافعي وقال لا يجزىء دقيق ولا سويق لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار ولا يجزىء في الزكاة فلم يجزىء في الكفارة كالقيمة .
ولنا قول الله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم } وهذا قد أطعمهم من أوسط ما يطعم أهله فوجب أن يجزئه روى الإمام احمد في كتاب التفسير بإسناده عن ابن عمر : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال الخبز واللبن .
وفي رواية عنه قال : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } الخبز والتمر والخبز والزيت والخبز والسمن وقال أبو رزين : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } خبز وزيت وخل وقال الأسود بن يزيد الخبز والتمر وعن علي الخبز والتمر الخبز والسمن الخبز واللحم وعن ابن سيرين قال كانوا يقولون أفضله الخبز واللحم وأوسطه الخبز والسمن وأخسه الخبز والتمر وقال عبيدة الخبز والزيت وسأل رجل شريحا ما أوسط طعام أهلي ؟ فقال شريح أن الخبز والخل والزيت لطيب فقال له رجل أفرأيت الخبز واللحم ؟ قال أرفع طعام أهلك وطعام الناس وعن علي و الحسن و الشعبي و قتادة و مالك و ابي ثور يعذبهم أو يعشيهم وهذا اتفاق على تفسير ما في الآية بالخبز ولأنه أطعم المساكين من أوسط طعام أهله فأجزأه كما لو أعطاه حبا ويفارق الزكاة من وجهين .
أحدهما : أن الواجب عليه عشر الحب وعشر الحب حب فاعتبر الواجب وههنا الواجب الإطعام والخبز أقرب إليه .
والثاني : إن دفع الزكاة يراد للاقتيات في جميع العام فيحتاج إلى ادخاره فاعتبر أن يكون على صفة تمكن من ادخاره عاما والكفارة تراد لدفع حاجة يومه ولهذا تقدرت بما الغالب أنه يكفيه ليومه والخبز أقرب إلى ذلك لأنه قد كفاه مؤنة طحنه وخبزه إذا تقرر هذا فإنه أن أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي أجزأه لأنه لا يكون من أقل من مد وقدر ذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم خمس اواق وسبع أوقية وإن طحن مدا وخبزه أجزأه نص عليه أحمد وكذلك إذا دفع دقيق المد إلى المسكين أجزأه وإن دفع الدقيق من غير تقدير حنطته فقال أحمد يجزئه بالوزن رطل وثلث ولا يجزئه مد دقيق بالكيل لأنه يروع بالطحن فحصل في مد دقيق الحب أقل من مد الحب وإن زاد في الدقيق عن مد بحيث يعلم أنه قدر مد حنطة جاز وقول الخرقي في مد من دقيق يحتمل أنه أراد إخراجه بالوزن كما ذكر أحمد ويحتمل أنه أراد مدا من الحنطة طحنه ثم أخرج دقيقه ويحتمل أنه أراد إخراج ما يعلم أن حبه مد لما ذكرنا ويجب أن يحمل قوله في الدقيق والخبز على دقيق الحنطة وخبزها فإن اعطى من الشعير لم يجزئه إلا ضعف ذلك كما لا يجزىء من حبها إلا ضعف ما يجزىء من حب البر .
فصل : والأفضل إخراج الحب لأن فيه خروجا من الخلاف قال أحمد التمر أعجب إلي والدقيق ضعيف والتمر أحب إلي ويحتمل أن يكون إخراج الخبز أفضل لأنه أنفع للمسكين وأقل كلفة وأقرب إلى حصول المقصود منه بغنيته والظاهر أن المسكين يأكله ويستغني به في يومه ذلك والحب يعجز عن طحنه وعجنه فالظاهر أنه يحتاج إلى بيعه ثم يشتري بثمنه خبزا فيتكلف حمل كلفة البيع والشراء وغبن البائع والمشتري له وتأخر حصول النفع به وربما لم يحصل له بثمنه من الخبز ما يكفيه ليومه فيفوت المقصود مع حصول الضرر .
فصل : ويجب أن يكون المخرج في الكفارة سالما من العيب ولا يكون الحب مسوسا ولا متغيرا طعمه ولا فيه زؤان أو تراب يحتاج إلى تنقية وكذلك دقيقه وخبزه لأنه مخرج في حق الله تعالى عما وجب في الذمة فلم يجز ان يكون معيبا الشاة في الزكاة