مسألة : من نقض العهد حل دمه وماله .
مسألة : قال : ومن نقض العهد بمخالفة شيء مما صولحوا عليه حل دمه وماله .
وجملة ذلك أنه ينبغي للامام عند عقد الهدنة أن يشترط عليهم شروطا نحو ما شرطه عمر Bه وقد رويت عن عمر Bه في ذلك اخبار منها ما رواه الخلال باسناده عن اسماعيل بن عياش قال : حدثنا غير واحد من اهل العلم قالوا : كتب أهل الجزيرة الى عبد الرحمن بن غنم إنا حين قدمنا من بلادنا طلبنا اليك الأمان لأنفسنا واهل ملتنا على انا شرطنا لك على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار وان نوسع ابوابها للمارة وابن السبيل ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا وألا نكتم أمر من غش المسلمين وألا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون ولا نخرج صليبنا ولا كتابنا في سوق المسلمين وألا نخرج باعوثا ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين وألا نجاورهم بالخنازير ولا نبيع الخمور ولا نظهر شركا ولا نرغب في ديننا ولا ندعو اليه أحدا ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين وألا نمنع أحدا من أقربا ئنا إذا اراد الدخول في الاسلام وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مواكبهم ولا نتكلم بكلامهم وان لا نتكنى بكناهم وان نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا ونشد الزنانير على أوساطنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نركب السروج ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف وان نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشد الطريق ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس ولا نطلع عليهم في منازلهم ولا نعلم أولادنا القرآن ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من اوسط ما نجد ضمنا ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا وان نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الامان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب Bه فكتب لهم عمر أن أمض لهم ما سألوه والحق فيه حرفين اشترط عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا من سبايانا شيئا ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده فانفذ عبد الرحمن من غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط فهذه جملة شروط عمر Bه فاذا صولحوا عليها ثم نقض بعضهم شيئا منها فظاهر كلام الخرقي أن عهذه ينتقض به وهو ظاهر ما رويناه لقولهم في الكتاب : إن نحن خالفنا فقد حل لك منا ما يحل لك من أهل المعاندة والشقاق وقال عمر : وان ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده ولأنه عقد بشرط فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد كما لو امتنع من التزام الاحكام وذكر القاضي والشريف أبو جعفر ان الشروط قسمان : .
أحدهما : ينتقض العهد بمخالفته وهو أحد عشر شيئا الامتناع عن بذل الجزية وجري احكامنا عليهم إذا حكم بها حاكم والاجتماع على قتال المسلمين والزنا بمسلمة واصابتها باسم نكاح وفتن مسلم عن دينه وقطع الطريق عليه وقتله وايواء جاسوس المشركين والمعاونة على المسلمين بدلالة المشركين على عوراتهم أو مكاتبتهم وذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء فالخصلتان الأوليان ينتقض العهد بهما بلا خلاف في المذهب وهو مذهب الشافعي وفي معناهما قتالهم للمسلمين منفردين أو مع أهل الحرب لأن اطلاق الأمان يقتضي ذلك فاذا فعلوه نقضوا الأمان لأنهم إذا قاتلونا لزمنا قتالهم وذلك ضد الأمان وسائر الخصال فيها روايتان : .
إحداهما : أن العهد ينتقض بها سواء شرط عليهم ذلك أو لم يشترط وظاهر مذهب الشافعي قريب من هذا إلا أن ما لم يشترط عليهم لا ينتقض العهد بتركه ما خلا الخصال الثلاث الأولى فانه يتعين شرطها وينتقض العهد بتركها بكل حال وقال أبو حنيفة : لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من الامام على وجه لا يتعذر معه أخذ الجزية منهم .
ولنا ما ذكرناه ما روي أن عمر رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال : ما على هذا صالحناكم وأمر به فصلب في بيت المقدس ولأن فيه ضررا على المسلمين فأشبه الامتناع من بذل الجزية وكل موضع قلنا لا ينتقض عهده فانه إن فعل ما فيه حد اقيم عليه حده أو قصاصه وإن لم يوجب حدا عزر ويفعل به ما ينكف به أمثاله عن فعله فان أراد أحد منهم فعل ذلك كف عنه فان مانع بالقتال نقض عهده ومن حكمنا بنقض عهده منهم خير الامام فيه بين أربعة أشياء : القتل والاسترقاق والفداء والمن كالأسير الحربي لأنه كافر قدرنا عليه في دارنا بغير عهد ولا عقد ولا شبهة ذلك فأشبه اللص الحربي ويختص ذلك به دون ذريته لأن النقض إنما وجد منه دونهم فاختص به كما لو أتى ما يوجب حدا أو تعزيرا