مسألة وفصلان : لا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب وتؤخذ الصدقة .
مسألة : قال : ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب وتؤخذ الزكاة من أموالهم ومواشيهم وثمرهم مثلي ما يؤخذ من المسلمين .
بنو تغلب بن وائل منالعرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية فدعاهم عمر إلى بذل الجزية فأبوا وأنفقوا وقالوا : نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة فقال عمر : لا آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة : يا أمير المؤمنين ان القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوك بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة فبعث عمر في طلبهم فردهم وضعف عليهم من الابل من كل خمس شاتين ومن كل ثلاثين بقرة تبيعين ومن كل عشرين دينارا دينارا ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم وفيما سقت السماء الخمس وفيما سقي بنضح أو غرب أو دولاب العشر فاستقر ذلك من قول عمر ولم يخالفه أحد من الصحابة فصار اجماعا وقال به الفقهاء بعد الصحابة منهم ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبى على نصارى بني تغلب إلا الجزية وقال : لا والله الا الجزية والا فقد آذنتكم بالحرب والحجة لهذا عموم الآية فيهم .
وروي عن علي Bه أنه قال : لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم وذلك أن عمر Bه صالحهم على أن لا ينصروا اولادهم والعمل على الأول لما ذكرنا من الاجماع وأما الآية فان هذا المأخوذ منهم جزية باسم الصدقة فان الجزية يجوز أخذها من العروض .
فصل : قال أصحابنا : تؤخذ الصدقة مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما وهذا قول أبي حنيفة و أبي عبيد وذكر أنه قول أهل الحجاز فعلى هذا تؤخذ من مال نسائهم وصبيانهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم وشيوخهم إلا أن أبا حنيفة لا يوجب الزكاة في مال صبي ولا مجنون وكذا الواجب على بني تغلب لا يجب في مال صبي ولا مجنون إلا في الأرض خاصة وذهب الشافعي إلى أن هذا جزية تؤخذ باسم الصدقة فلا تؤخذ ممن لا جزية عليه كالنساء والصبيان والمجانين قال : وقد روي عن عمر أنه قال : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبوا الاسم .
وقال النعمان بن زرعة : خذ منهم الجزية باسم الصدقة ولأنهم أهل ذمة فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة كغيرهم من أهل الذمة ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم ومساكنهم فكان جزية كما لو أخذ باسم الجزية : يحققه أن الزكاة طهرة وهؤلاء لا طهرة لهم فعلى هذا يكون مصرف المأخوذ منهم : مصرف الفيء لا مصرف الصدقات وهذا أقيس واحتج أصحابنا بأنهم سألوا عمر أن يأخذ منهم ما يأخذ بعضكم من بعض فأجابهم عمر اليه بعد الامتناع منه والذي يأخذه بعضنا من بعض هو الزكاة من كل مال زكوي لأي مسلم كان من صغير وكبير وصحيح ومريض كذلك المأخوذ من بني تغلب ولأن نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح ودخلوا في حكمه فجاز أن يدخلوا في الواجب به كالرجال والعقلاء وعلى هذا من كان منهم فقيرا أو له مال غير زكوي كالدور وثياب البذلة وعبيد الخدمة لا شيء عليه كما لا يجب على أهل الزكاة من المسلمين ولا تؤخذ مما لم يبلغ نصابا فأما مصرف المأخوذ منهم فاخنار القاضي أن مصرفه مصرف الفيء لأنه مأخوذ من مشرك ولأنه جزية مسماة بالصدقة .
وقال أبو الخطاب : مصرفه إلى أهل الصدقات لأنه مسمى باسم الصدقة مسلوك به - فيمن يؤخذ منه - مسلك الصدقة فيكون مصرفه مصرفها والأول أقيس وأصح لأن معنى الشيء أخص به من اسمه ولهذا لو سمي رجل أسدا أو نمرا أو أسود أو أحمر لم يصر له حكم المسمى بذلك ولأن هذا لو كان صدقة على الحقيقة لجاز دفعها إلى فقراء من أخذت منهم لقول النبي A : [ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] .
فصل : فان بذل التغلبي أداء الجزية وتحط عنه الصدقة لم يقبل منه لأن الصلح وقع على هذا فلا يغير ويحتمل أن يقبل منه لقول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد } وهذا قد أعطى الجزية وإن كان باذل الجزية منهم حربيا قبلت منه للآية وخبر بريدة : [ ادعهم إلى أداء الجزية فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ] ولأنه لم يدخل في صلح الأولين فلم يلزمه حكمه وهو كتابي باذل للجزية فيحقن بها دمه وان أراد إمام نقض صلحهم وتجديد الجزية عليهم كفعل عمر بن عبد العزيز لم يكن له ذلك لأن عقد الذمة على التأبيد وقد عقده معهم عمر بن الخطاب فلم يكن لغيره نقضه ما داموا على العهد