فصل : تعريف الهجرة .
وهي الخروج من دار الكفر إلى دار الاسلام قال الله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآيات وروي عن النبي A أنه قال : [ أنا بريء من مسلم بين مشركين لا تراءا ناراهما ] رواه أبو داود ومعناه لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره اذا أوقدت في آي واخبار سوى هذين كثيرة وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة في قول عامة أهل العلم وقال قوم : قد انقطعت الهجرة لأن النبي A قال : [ لا هجرة بعد الفتح ] وقال : [ قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية ] .
[ وروي أن صفوان بن أمية لما أسلم قيل له : لا دين لمن لم يهاجر فأتى المدينة فقال له النبي A : ما جاء بك أبا وهب ؟ قال : قيل : إنه لا دين لمن لم يهاجر قال : ارجع أبا وهب الى أباطح مكة أقروا على مساكنكم فقد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية ] روى ذلك كله سعيد .
ولنا ما روى معاوية قال : سمعت رسول الله A يقول : [ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ] رواه أبو داود وروي عن النبي A أنه قال : [ لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد ] رواه سعيد وغيره مع اطلاق الآيات والاخبار الدالة عليها وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان وأما الاحاديث الأول فأراد بها : لا هجرة بعد الفتح من بلد قد فتح وقوله لصفوان : إن الهجرة قد انقطعت يعني من مكة لأن الهجرة : الخروج من بلد الكفار فاذا فتح لم يبق بلد الكفار فلا تبقى منه هجرة وهكذا كل بلد فتح لا يبقى منه هجرة وإنما الهجرة إليه إذا ثبت هذا فالناس في الهجرة على ثلاثة اضرب : .
أحدها : من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه اظهار دينه ولا تمكنه اقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب به فهو واجب .
الثاني : من لا هجرة عليه وهو من يعجز عنها إما لمرض أو اكراه على الاقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهذا لا هجرة عليه لقول الله تعالى : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا } ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها .
الثالث : من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من اظهار دينه واقامته في دار الكفر فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم فيتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة وقد كان العباس عم النبي A مقيما مع إسلامه و [ روينا أن نعيم النحام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له : أقم عندنا وأنت على دينك ونحن نمنعك ممن يريد أذاك واكفنا ما كنت تكفينا وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد فقال له النبي A : قومك كانوا خيرا لك من قومي لي قومي أخرجوني وأرادوا قتلي وقومك حفظوك ومنعوك فقال : يا رسول الله بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله وجهاد عدوه وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله ] أو نحو هذا القول