مسألة : حكم من تعلف فوق ما يحتاج إليه .
مسألة قال : ومن تعلف فضلا عما يحتاج إليه رده على المسلمين فان باعه رد ثمنه في المقسم .
أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من أعلافهم منهم سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و الشعبي و القاسم و سالم و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري : لا يؤخذ إلا بإذن الامام وقال سليمان بن موسى : لا يترك إلا أن ينهى عنه الامام فيتقي نهيه .
ولنا ما روى عبد الله بن أبي أوفى قال : أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف رواه سعيد و أبو داود [ وروي أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر : إنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والعلف وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك فكتب إليه : دع الناس يعلفون ويأكلون فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين ] رواه سعيد [ وقد روى عبد الله بن مغفل قال : دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت : والله لا أعطي أحدا منه شيئا فالتفت فاذا رسول الله A يضحك فاستحييت منه ] متفق عليه ولأن الحاجة تدعو إلى هذا وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم فانه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الاسلام ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شيء ينتفع به ولا يدفع به حاجته فأباح الله تعالى لهم ذلك فمن أخذ من الطعام شيئا مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم وغيره أو العلف لدابته فهو أحق به سواء كان له ما يستغني به عنه أو لم يكن له ويكون أحق بما يأخذه من غيره فان فضل منه ما لا حاجة به إليه رده على المسلمين لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه وإن أعطاه أحد من أهل الجيش اليه جاز له أخذه وصار أحق به من غيره وان باع شيئا من الطعام أو العلف رد ثمنه في الغنيمة لما ذكرنا من حديث عمر وروي مثله عن فضالة بن عبيد وبه قال سليمان بن موسى و الثوري و الشافعي وكره القاسم و سالم و مالك بيعه قال القاضي : لا يخلو إما أن يبيعه من غاز أو غيره فان باعه لغيره فالبيع باطل لأنه بيع مال الغنيمة بغير ولاية ولا نيابة فيجب رد المبيع ونقض البيع فان تعذر رده رد قيمته أو ثمنه إن كان أكثر من قيمته إلى المغنم .
وعلى هذا الوجه كلام الخرقي وإن باعه لغاز لم يحل إلا أن يبدله بطعام أو علف مما له الانتفاع به أو بغيره فان باعه بمثله فليس هذا بيعا في الحقيقة إنما سلم إليه مباحا وأخذ مثله مباحا ولكل واحد منهما الانتفاع بما أخذه وصار أحق به لثبوت يده عليه فعلى هذا لو باع صاعا بصاعين وافترقا قبل القبض جاز لأنه ليس ببيع وإن باعه به نسيئة أو أقرضه إياه فأخذه فهو أحق به ولا يلزمه إيفاؤه فإن وفاه أو رده إليه عادت اليد إليه وان باعه بغير الطعام والعلف فالبيع أيضا غير صحيح ويصير المشتري أحق به لثبوت يده عليه ولا ثمن عليه وإن أخذ منه وجب رده إليه