مسألتان وفصول : حكم ما إذا قتل واحد منا واحدا منهم مقبلا على القتال وحكم سلب القتلى .
مسألة : قال : ومن قتل منا أحدا منهم مقبلا على القتال فله سلبه غير مخموس قال ذلك الإمام أو لم يقل .
في هذه المسألة فصول ستة : .
الفصل الأول : أن القاتل يمتحق السلب في الجملة ولا نعلم فيه خلافا والأصل فيه قول النبي A : [ من قتل كافرا فله سلبه ] رواه الجماعة عن النبي A منهم انس وسمرة بن جندب وغيرهما روى [ أبو قتادة قال : خرجنا مع رسول الله A عام خيبر فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة فأدركه الموت ثم إن الناس رجعوا وقال رسول الله عليه وسلم : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال : فقمت فقلت : من يشهد لي فقال رسول الله A : ما لك يا أبا قتادة ؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فارضة منه فقال أبو بكر الصديق : لاها الله إذا تعمد إلى اسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله A : صدق فأسلمه اليه قال : فأعطانيه ] متفق عليه و [ عن أنس قال : قال رسول الله A يوم حنين : من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ اسلابهم ] رواه أبو داود .
الفصل الثاني : أن السلب لكل قاتل يستحق السهم أو الرضخ كالعبد والمرأة والصبي والمشرك وروي عن ابن عمر أن العبد إذا بارز باذن مولاه فقتل لم يستحق السلب ويرضخ له منه و للشافعي فيمن لا سهم له قولان : أحدهما لا يستحق السلب لأن السهم آكد منه للاجماع عليه فاذا لم يستحقه فالسلب أولى .
ولنا عموم الخبر وأنه قاتل من أهل الغنيمة فاستحق السلب كذا السهم ولأن الأمير لو جعل جعلا لمن صنع شيئا فيه نفع للمسلمين لاستحقه فاعله من هؤلاء فالذي جعله النبي A أولى وفارق السهم لأنه علق على المظنة ولهذا يستحق بالحضور ويستوي فيه الفاعل وغيره والسلب مستحق بحقيقة الفعل وقد وجد منه ذلك فاستحقه كالمجعول له جعلا على فعل إذا فعله فان كان القاتل ممن لا يستحق سهما ولا رضخا كالمرجف والمخذل والمعين على المسلمين لم يستحق السلب وان قتل وهذا مذهب الشافعي لأنه ليس من أهل الجهاد وان بارز العبد بغير إذن مولاه لم يستحق السلب لأنه عاص وكذلك كل عاص مثل من دخل بغير إذن الأمير .
وعن أحمد فيمن دخل بغير إذن أنه يؤخذ منه الخمس وباقيه له جعله كالغنيمة ويخرج في العبد المبارز بغير إذن سيده مثله ويحتمل أن يكون سلب قتيل العبد له على كل حال لأن ما كان له فهو لسيده ففي حرمانه السلب حرمان سيده ولا معصية منه .
الفصل الثالث : أن السلب للقاتل في كل حال إلا أن ينهزم العدو وبه قال الشافعي و ابو ثور و داود و ابن المنذر وقال مسروق : إذا التقى الزحفان فلا سلب له إنما النفل قبل وبعد ونحوه قول نافع كذلك قال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم : السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض فاذا كان كذلك فلا سلب لأحد .
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] ولأن أبا قتادة إنما قتل الذي أخذ سلبه في حال التقاء الزحفين ألا تراه يقول : فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين وكذلك قول أنس : فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ اسلابهم وكان ذلك بعد التقاء الزحفين لأن هوازن لقوا المسلمين فجأة فألحموا الحرب قبل أن تتقدمها مبارزة .
وروى سعيد : حدثنا اسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه [ عن عوف بن مالك قال : غزونا إلى طرف الشام فأمر علينا خالد بن الوليد فانضم إلينا رجل من امداد حمير فقضي لنا أنا لقينا عدونا فقاتلونا قتالا شديدا وفي القوم رجل من الروم على فرس له أشقر وسرج مذهب ومنطقة ملطخة وسيف مثل ذلك فجعل يحمل على القوم ويغري بهم فلم يزل المددي يحتل لذلك الرومي حتى مر به فاستقفاه فضرب عرقوب فرسه بالسيف ثم وقع فاتبعه ضربا بالسيف حتى قتله فلما فتح الله الفتح أقبل بسلب القتيل وقد شهد له الناس أنه قاتله فأعطاه خالد بعض سلبه وأمسك سائره فلما قدم المدينة استعدى رسول الله A فدعا خالدا فقال رسول الله A : ما منعك يا خالد أن تدفع إلى هذا سلب قتيله ؟ قال : استكثرته له قال : فادفعه اليه ] وذكر الحديث ورواه أبو داود .
الفصل الرابع : أنه انما يستحق السلب بشروط أربعة : .
أحدها : أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا او ضعيفا مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لأنه يجوز قتله ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك .
الثاني : ان يكون المقتول فيه منفعة غير مثخن بالجراح فان كان مثخنا بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه وبهذا قال مكحول و جرير بن عثمان و الشافعي لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وذفف عليه ابن مسعود فقضى النبي A بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ولم يعط ابن مسعود شيئا وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره وان قطع يديه أو رجليه وقتله الآخر فالسلب للقاطع في أحد الوجهين لأنه عطله فأشبه الذي قتله والثاني سلبه في الغنيمة لأنه إن كانت رجلاه سالمتين فانه يعدو ويكثر وان كانت يداه سالمتين فانه يقاتل بهما فلم يكف القاطع شره كله ولا يستحق القاتل سلبه لأنه مثخن بالجراح وان قطع يده ورجله من خلاف فكذلك وان قطع احدى يديه واحدى رجليه ثم قتله آخر فسلبه غنيمة ويحتمل أنه للقاتل لأنه قاتل لمن لم يكف المسلمين شره وإن عانق رجل رجلا فقتله آخر فالسلب للقاتل وبهذا قال الشافعي وقال الأوزاعي : هو للمعانق .
ولنا قول النبي A : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] ولأنه كفى المسلمين شره فأشبه ما لو لم يعانقه الآخر وكذلك لو كان الكافر مقبلا على رجل يقاتله فجاء آخر من ورائه فضربه فقتله فسلبه لقاتله بدليل قصة قتيل أبي قتادة .
الثالث : أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول قال أحمد : لا يكون السلب إلا للقاتل وان أسر رجلا لم يستحق سلبه سواء قتله الامام أو لم يقتله وقال مكحول : لا يكون السلب إلا لمن أسر علجا أو قتله قال القاضي : إذا أسر رجلا فقتله الامام صبرا فسلبه لمن أسره لأن الأسر أصعب من القتل فاذا استحق سلبه بالقتل كان تنبيها على استحقاقه بالاسر قال : وان استبقاه الامام كان له فداؤه أو رقبته وسلبه لأنه كفى المسلمين شره .
ولنا أن المسلمين أسروا اسرى يوم بدر فقتل النبي A عقبة والنضر بن الحارث واستبقى سائرهم فلم يعط من أسرهم أسلابهم ولا فداءهم وكان فداؤهم غنيمة ولأن النبي A إنما جعل السلب للقاتل وليس الآسر بقاتل ولأن الامام مخير في الأسرى ولو كان لمن أسره كان أمره اليه دون الامام .
الرابع : أن يغرر بنفسه في قتله فأما إن رماه بسهم من صف المسلمين فقتله فلا سلب له قال أحمد : السلب للقاتل إنما هو في المبارزة لا يكون في الهزيمة وإن حمل جماعة من المسلمين على واحد فقتلوه فالسلب في الغنيمة لأنهم لم يغرروا بأنفسهم في قتله وإن اشترك في قتله اثنان فظاهر كلام أحمد أن سلبه غنيمة فإنه قال في رواية حرب : له السلب إذا انفرد بقتله .
وحكى أبو الخطاب عن القاضي أنهما يشتركان في سلبه لقوله : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] وهذا يتناول الواحد والجماعة ولأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في السلب .
ولنا أن السلب إنما يستحق بالتغرير في قتله ولا يحصل ذلك بقتل الاثنين فلم يستحق به السلب كما لو قتله جماعة ولم يبلغنا أن النبي A شرك بين اثنين في سلب فان اشترك اثنان في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر فالسلب له [ لأن أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأتيا النبي A فأخبره فقال : كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ] وإن انهزم الكفار كلهم فأدرك انسان منهزما منهم فقتله فلا سلب له لأنه لم يغرر في قتله وإن كانت الحرب قائمة فانهزم أحدهم فقتله انسان فسلبه لقاتله لأن الحرب فر وكر [ وقد قتل سلمة بن الاكوع طليعة للكفار وهو منهزم فقال النبي A : من قتله ؟ قالوا : سلمة ابن الاكوع قال : له سلبه أجمع ] وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور و أبو داود و ابن المنذر : السلب لكل قاتل لعموم الخبر واحتجاجا بحديث سلمة هذا .
ولنا أن ابن مسعود ذفف على أبي جهل فلم يعطه النبي A سلبه وأمر بقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث صبرا ولم يعط سلبهما من قتلهما وقتل بني قريظة صبرا فلم يعط من قتلهم اسلابهم وانما أعطى السلب من قتل مبارزا أو كفى المسلمين شره وغرر في قتله والمنهزم بعد انقضاء الحرب قد كفى المسلمين شر نفسه ولم يغرر قاله بنفسه في قتله فلن يستحق سلبه كالاسير وأما الذي قتله سلمة فكان متحيزا إلى فئة وكذلك من قتل حال قيام الحرب فإنه كان منهزما فهو متحيء إلى فئة وراجع إلى القتال فأشبه الكار فان القتال فر وكر إذا ثبت هذا فانه لا يشترط في استحقاق السلب أن تكون المبارزة باذن الامير لأن كل من قضي له بالسلب في عصر النبي A ليس فيهم من نقل إلينا أنه أذن له في المبارزة مع أن عموم الخبر يقتضي استحقاق السلب لكل قاتل إلا من خصه الدليل .
الفصل الخامس : ان السلب لا يخمس روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وبه قال الشافعي و ابن المنذر و ابن جرير وقال ابن عباس : يخمس وبه قال الأوزاعي و مكحول لعموم قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } .
وقال إسحاق : إن استكثر الامام السلب خمسه وذلك اليه لما روى ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز مرزبان الزارة بالبحرين فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره فقال : إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه فكان أول سلب خمس في الاسلام سلب البراء رواه سعيد في السنن وفيها أن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفا .
ولنا ما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد [ أن رسول الله A قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب ] رواه أبو داود وعموم الأخبار التي ذكرناها وخبر عمر حجة لنا فانه قال : إنا لا نخمس السلب وقول الراوي : كان أول سلب خمس في الاسلام يعني أن النبي A وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباع ذلك أولى قال الجوزجاني لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول A شيء إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله A وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية وإذا ثبت هذا فإن السلب من أصل الغنيمة وقال مالك : يحتسب من خمس الخمس .
ولنا أن النبي A قضى بالسلب للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه أنه احتسب به من خمس الخمس ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك ولأن سببه لا يفتقر إلأى اجتهاد الامام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس والراجل .
الفصل السادس : أن القاتل يستحق السلب قال ذلك الامام أو لم يقل وبه قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور وقال أبو حنيفة و الثوري : لا يستحقه إلا أن يشرطه الامام له وقال مالك : لا يستحقه إلا أن يقول الامام ذلك ولم ير أن يقول الامام ذلك إلا بعد انقضاء الحرب على ما تقدم من مذهبه في النفل وجعلوا السلب ههنا من جملة الأنفال .
وقد روي عن أحمد مثل قولهم وهو اختيار أبي بكر واحتجوا بما [ روى عوف بن مالك أن مدديا اتبعهم فقتل علجا فأخذ خالد بعض سلبه وأعطاه بعضه فذكر ذلك لرسول الله A فقال : لا تعطه يا خالد ] رواه سعيد و أبو داود وأنا اختصرته ورويا باسنادهما عن شبر بن علقمة قال : بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه فأتيت به سعدا فخطب سعد أصحابه وقال : إن هذا سلب شبر خير من اثني عشر ألفا وإنا قد نفلناه إياه ولو كان حقا له لم يحتج إلى نفله ولأن عمر أخذ الخمس من سلب البراء ولو كان حقا له لم يجز أن يأخذ منه شيئا ولأن النبي A دفع سلب أبي قتادة إليه من غير بينة ولا يمين .
ولنا قول النبي A : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] وهذا من قضايا رسول الله A المشهورة التي عمل بها الخلفاء بعده وأخبارهم التي احتجوا بها تدل على ذلك فان عوف بن مالك احتج على خالد حين أخذ سلب المددي فقال له عوف : أما تعلم أن رسول الله A قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى وقول عمر : إنا كنا لا نخمس السلب يدل على أن هذه قضية عامة في كل غزوة وحكم مستمر لكل قاتل وإنما أمر النبي A خالدا أن لا يرد على المددي عقوبة حين أغضبه عوف بتقريعه خالدا بين يديه وقوله : قد أنجزت لك ما ذكرت لك من أمر رسول الله A وأما خبر شبر فانما انفذ له سعد ما قضى له به رسول الله A وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه .
وأما قتادة فان خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الامام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم إذا ثبت هذا فان أحمد قال : لا يعجبني أن يأخذ السلب الا باذن الامام وهو قول الأوزاعي وقال ابن المنذر و الشافعي : له أخذه بغير اذن لأنه استحقه بجعل النبي A له ذلك ولا يأمن إن أظهره عليه أن لا يعطاه ووجه قول أحمد أنه فعل مجتهد فيه فلم ينفذ أمره فيه إلا باذن الامام كأخذ سهمه ويحتمل أن يكون هذا من أحمد على سبيل الاستحباب ليخرج من الخلاف لا على سبيل الايجاب فعلى هذا إن أخذه بغير اذن ترك الفضيلة وله ما أخذه