مسألة : إذا غزا الأمير بالناس لم يجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا .
مسألة : قال : وإذا غزا الأمير بالناس لم يجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا باذنه .
يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا لاحتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير لقول الله تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ولأن الأمير أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم ومواضعهم وقربهم وبعدهم فاذا خرج خارج بغير اذنه لم يأمن أن يصادف كمينا للعدو فيأخذوه أو طليعة لهم أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك وإذا كان بإذن الأمير لم يأذن لهم إلا إلى مكان آمن وربما يبعث معهم من الجيش من يحرسهم ويطلع لهم وأما المبارزة فيجوز بإذن الامير في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فانه لم يعرفها وكرهها .
ولنا أن حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر باذن النبي A وبارز علي عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق فقتله وبارز مرحبا يوم حنين وقيل بارزه محمد بن مسلمة وبارزه قبل ذلك عامر بن الأكوع فاستشهد وبارز البراء بن مالك مرزبان الذارة فقتله وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين ألفا وروي عنه أنه قال : قتلت تسعة وتسعين رئيسا من المشركين مبارزة سوى من شاركت فيه وبارز شبر بن علقمة اسوارا فقتله فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفله إياه سعد ولم يزل أصحاب النبي A يبارزون في عصر النبي A وبعده ولم ينكره منكر فكان ذلك إجماعا وكان ابو ذر يقسم أن قوله تعالى : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بارزوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وقال أبو قتادة : بارزت رجلا يوم حنين فقتلته إذا ثبت هذا فانه ينبغي أن يستأذن الأمير في المبارزة إذا أمكن وبه قال الثوري و إسحاق ورخص فيها مالك و الشافعي و ابن المنذر لخبر أبي قتادة فانه لم يعلم أنه استأذن النبي A وكذلك اكثر من حكينا عنهم المبارزة لم يعلم منهم استئذان .
ولنا أن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان العدو ومتى برز الانسان إلى من لا يطيقه كان معرضا نفسه للهلاك فيكسر قلوب المسلمين فينبغي أن يفوض ذلك الى الامام ليختار للمبارزة من يرضاه لها فيكون أقرب إلى الظفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين فان قيل : فقد انحتم له أن ينغمس في الكفار وهو سبب لقتله قلنا : إذا كان مبارزا تعلقت قلوب الجيش به وارتقبوا ظفره فان ظفر جبر قلوبهم وسرهم وكسر قلوب الكفار وإن قتل كان بالعكس والمنغمس يطلب الشهادة لا يترقب منه ظفر ولا مقاومة فافترقا وأما مبارزة أبي قتادة فغير لازمة فانها كانت بعد التحام الحرب رأى رجلا يريد أن يقتل مسلما فضربه أبو قتادة فالتفت إلى إبي قتادة فضمه ضمة كاد يقتله وليس هذا هو المبارزة المختلف فيها بل المختلف فيها أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو الى المبارزة فهذا هو الذي يعتبر به إذن الامام لأن عين الطائفتين تمتد إليهما وقلوب الفريقين تتعلق بهما وأيهما غلب سر اصحابه وكسر قلوب اعداائه بخلاف غيره إذا ثبت هذا فالمبارزة تنقسم ثلاثة أقسام : مستحبة ومباحة ومكروهة اما المستحبة فاذا خرج علج يطلب البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الامير لأن فيه ردا عن المسلمين وإظهارا لقوتهم والمباح أن يبتدىء الرجل الشجاع بطلبها فيباح ولا يستحب لانه لا حاجة إليها ولا يأمن أن يغلب فيكسر قلوب المسلمين إلا أنه لما كان شجاعا واثقا من نفسه أبيح له لأنه بحكم الظاهر غالب والمكروه أن يبرز الضعيف المنة الذي لا يثق من نفسه فتكره له المبارزة لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرا