مسألة في ابتداء قطع السارق .
مسألة : قال : وابتداء قطع السارق أن تقطع يده اليمنى من مفصل الكف ويحسم فان عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت .
لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى من مفصل الكف وهو الكوع وفي قراءة بن مسعود : ( فاقطعوا أيمانهما ) وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر Bهما أنهما قالا : إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن البطش بها أقوى فكانت البداية بها أردع ولأنها آلة السرقة فناسب عقوبته باعدام آلتها وإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى وبذلك قال الجماعة إلا عطاء حكي عنه أنه تقطع يده اليسرى لقوله سبحانه : { فاقطعوا أيديهما } ولأنها آلة السرقة والبطش فكانت العقوبة بقطعها أولى وروي ذلك عن ربيعة و داود وهذا شذوذ يخالف قول جماعة فقهاء الامصار من أهل الفقه والأثر من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو قول أبي بكر وعمر Bهما وقد روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال في السارق : [ إذا سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] ولأنه في المحاربة الموجبة قطع عضوين إنما تقطع يده ورجله ولا تقطع يداه فنقول : جناية أوجبت قطع عضوين فكانا رجلا ويدا كالمحاربة ولأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس فلا تبقى له يد يأكل بها ولا يتوضأ ولا يستطيب ولا يدفع عن نفسه فيصير كالهالك فكان قطع الرجل الذي لا يشتمل على هذه المفسدة أولى وأما الآية فالمراد بها قطع يد كل واحد منهما بدليل أنه لا تقطع اليدان في المرة الأولى وفي قراءة عبد الله ( فاقطعوا أيمانهما ) وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن المثنى إذا أضيف الى المثنى ذكر بلفظ الجمع كقوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } وإذا ثبت هذا فانه تقطع رجله اليسرى لقول الله تعالى : { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } ولأن قطع اليسرى أرفق به لأنه يمكنه المشي على خشبة ولو قطعت رجله اليمنى لم يمكنه المشي بحال وتقطع الرجل من مفصل الكعب في قول أكثر أهل العلم وفعل ذلك عمر Bه وكان علي Bه يقطع من نصف القدم من معقد الشراك ويدع له عقبا يمشي عليها وهو قول أبي ثور .
ولنا أنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة فيقطع من المفصل كاليد وإذا قطع حسم وهو أن يغلى الزيت فاذا قطع غمس عضوه في الزيت لتنسد أفواه العروق لئلا ينزف الدم فيموت وقد روي أن النبي A أتي بسارق سرق شمله فقال : [ اقطعوه واحسموه ] وهو حديث فيه مقال قاله ابن المنذر وممن استحب ذلك الشافعي و أبو ثور وغيرهما من أهل العلم ويكون الزيت من بيت المال لأن النبي A أمر به القاطع وذلك يقتضي أن يكون من بيت المال فإن لم يحسم فذكر القاضي أنه لا شيء عليه لأن عليه القطع لا مداواة المحدود ويستحب للمقطوع حسم نفسه فان لم يفعل لم يأثم لأنه ترك التداوي في المرض وهذا مذهب الشافعي