فصل : للسيد إقامة الحد على عبده القن بالجلد وشروط ذلك .
فصل : وللسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقة القن في قول أكثر العلماء روي نحو ذلك عن علي و ابن مسعود و ابن عمر و أبي حميد و أبي أسيد الساعديين وفاطمة ابنة النبي A وعلقمة والأسود و الزهري وهبيرة بن مريم وأبي ميسرة و مالك و الثوري و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر .
وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الانصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنوا وعن الحسن بن محمد أن فاطمة حدت جارية لها زنت وعن ابراهيم أن علقمة والأسود كانا يقيمان الحدود على من زنى من خدم عشائرهم روى ذلك سعيد في سننه .
وقال أصحاب الرأي : ليس له ذلك لأن الحدود الى السلطان ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لا يملكه على العبد كالصبي ولأن الحد لا يجب إلا ببينة أو إقرار ويعتبر لذلك شروط من عدالة الشهود ومجيئهم مجتمعين أو في مجلس واحد وذكر حقيقة الزنا وغير ذلك من الشروط التي تحتاج الى فقيه يعرفها ويعرف الخلاف فيها والصواب منها وكذلك الاقرار فينبغي أن يفوض ذلك الى الامام أو نائبه كحد الأحرار ولأنه حد هو حق لله تعالى فيفوض الى الإمام كالقتل والقطع .
ولنا ما روى سعيد حدثنا سفيان عن أيوب بن أبي موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي A أنه قال : [ إذا زنت أمة أحدكم فتيقن زناها فليجلدها ولا يثرب بها فان عادت فليجلدها ولا يثرب بها فإن عادت فليجلدها ولا يثرب بها فان عادت الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير ] وقال : حدثنا أبو الأحوص حدثنا عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي عن النبي A أنه قال : [ أقيموا الحدود على من ملكت أيمانكم ] رواه الدارقطني ولأن السيد يملك تأديب أمته وتزويجها فملك إقامة الحد عليها كالسلطان وفارق الصبي .
إذا ثبت هذا فانما يملك إقامة الحد بشروط أربعة أحدها أن يكون جلدا كحد الزنا والشرب وحد القذف فأما القتل في الردة والقطع في السرقة فلا يملكها إلا الامام وهذا قول أكثر أهل العلم وفيهما وجه آخر أن السيد يملكها وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قول النبي A : [ أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ] وروي أن ابن عمر قطع عبدا سرق وكذلك عائشة وعن حفصة أنها قتلت أمة لها سحرتها ولأن ذلك حد أشبه الجلد وقال القاضي : كلام أحمد يقتضي أن في قطع السارق روايتين .
ولنا أن الأصل تفويض الحد الى الامام لأنه حق لله تعالى فيفوض الى نائبه كما في حق الاحرار ولما ذكره أصحاب أبي حنيفة وإنما فوض الى السيد الجلد خاصة لأنه تأديب والسيد يملك تأديب عبده وضربه على الذنب وهذا من جنسه وإنما افترقا في أن هذا مقدر والتأديب غير مقدر وهذا لا أثر له في منع السيد منه بخلاف القطع والقتل فانهما اتلاف لجملته أو بعضه الصحيح ولا يملك السيد هذا من عبده ولا شيئا من جنسه والخبر الوارد في حد السيد عبده إنما جاء في الزنا خاصة وإنما قسنا عليه ما يشبهه من الجلد وقوله : [ أقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم ] إنما جاء في سياق الجلد في الزنا فان أول الحديث عن علي قال : [ أخبر النبي A بأمة لهم فجرت فأرسلني إليها فقال : اجلدها الحد قال : فانطلقت فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمها فرجعت اليه فقال : أفرغت ؟ فقلت : وجدتها لم تجف من دمها قال : إذا جفت من دمها فاجلدها الحد وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ] فالظاهر أنه إنما أراد ذلك الحد وشبهه واما فعل حفصة فقد أنكره عثمان عليها وشق عليه وقوله أولى من قولها وما روي عن ابن عمر فلا نعلم ثبوته عنه الشرط الثاني أن يختص السيد بالمملوك فان كان مشتركا بين اثنين أو كانت الأمة مزوجة وكان المملوك مكاتبا أو بعضه حرا لم يملك السيد اقامة الحد عليه وقال مالك و الشافعي : يملك السيد إقامة الحد على الأمة المزوجة لعموم الخبر ولأنه مختص بملكها وإنما يملك الزوج بعض نفعها فأشبهت المستأجرة .
ولنا ما روي عن ابن عمر أنه قال : إذا كانت الأمة ذات زوج رفعت الى السلطان وإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصن ولم نعرف له مخالفا في عصره فكان إجماعا ولأأن نفعها مملوك لغيره مطلقا أشبهت المشتركة ولأن المشترك إنما منع من إقامة الحد عليه لأنه يقيمه في غير ملكه فان الجزء الحر أو المملوك لغيره ليس بمملوك له وهو يقيم الحد عليه وهذا يشبهه لأن محل الحد هو محل استمتاع الزوج وهو بدنها فلا يملكه والخبر مخصوص بالمشترك فنقيس عليه والمستأجرة إجارتها مؤقتة تنقضي ويحتمل أن نقول لا يملك إقامته عليها في حال إجارتها لأنه ربما أفضى الى تفويض حق المستأجر وكذلك الأمة المرهونة يخرج فيها وجهان .
الشرط الثالث : أن يثبت الحد ببينة أو اعتراف فان ثبت باعتراف فللسيد إقامته إذا كان يعرف الاعتراف الذي يثبت به الحد وشروطه وان ثبت ببينة اعتبر أن يثبت عند الحاكم لأن البينة تحتاج الى البحث عن العدالة ومعرفة شروط سماعها ولفظها ولا يقوم بذلك إلا الحاكم وقال القاضي يعقوب : إن كان السيد يحسن سماع البينة ويعرف شروط العدالة جاز أن يسمعها ويقيم الحد بها كما يقيمه بالاقرار وهذا ظاهر نص الشافعي لأنها أحد ما يثبت به الحد فأشبهت الاقرار ولا يقيم السيد الحد بعلمه وهذا قول مالك لأنه لا يقيمه الامام بعلمه فالسيد أولى فان ولاية الامام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقا عليها وثابتة بالاجماع فاذا لم يثبت الحد في حقه بالعلم فههنا أولى وعن أحمد رواية أخرى أنه يقيمه بعلمه لأنه قد ثبت عنده فملك إقامته كما لو أقر به ويفارق الحاكم لأن الحاكم متهم ولا يملك إقامته وهذا بخلافه .
الشرط الرابع : أن يكون السيد بالغا عاقلا عالما بالحدود وكيفية إقامتها لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الولايات والجاهل بالحد لا يمكنه إقامته على الوجه الشرعي فلا يفوض إليه وفي الفاسق وجهان أحدهما لا يملكه لأن هذه ولاية فنافاها الفسق كولاية التزويج والثاني يملكه لأن هذه ولاية استفادها بالملك فلم ينافها الفسق كبيع العبد وإن كان مكاتبا ففيه احتمالان أحدهما : لا يملكه لأنه ليس من أهل الولاية والثاني يملكه لأنه يستفاد بالملك فأشبه سائر تصرفاته وفي المرأة أيضا احتمالان : أحدهما لايملكه لأنها ليست من أهل الولايات والثاني تملكه لأن فاطمة جلدت أمة لها وعائشة قطعت أمة لها سرقت وحفصة قتلت أمة لها سحرتها ولأنها مالكة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل وفيه وجه ثالث أن الحد يفوض إلى وليها لأنه يزوج أمتها ومولاتها فملك إقامة الحد على مملوكتها