مسألة : حد العبد والأمة إذا زنيا .
مسألة : قال : وإذا زنا العبد والأمة جلد كل واحد منهما خمسين جلدة ولم يغربا .
وجملته أن حد العبد والأمة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين في قول أكثر الفقهاء منهم عمر وعلي و ابن مسعود و الحسن و النخعي و مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و البتي و العنبري وقال ابن عباس و طاوس و أبو عبيد : إن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد ولا حد على غيرهما لقول الله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فدليل خطابه أنه لا حد على غير المحصنات وقال داود : على الأمة نصف الحد إذا زنت بعدما زوجت وعلى العبد جلد مائة بكل حال وفي الأمة إذا لم تزوج روايتان : .
إحداهما : لا حد عليها والأخرى تجلد مائة لأن قول الله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ثم خرجت منه الأمة المحصنة بقوله : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فيبقى العبد والأمة التي لم تحصن على مقتضى العموم ويحتمل دليل الخطاب في الأمة أن لا حد عليها لقول ابن عباس وقال أبو ثور : اذا لم يحصنا بالتزويج فعليهما نصف الحد وإن أحصنا فعليهما الرجم لعموم الاخبار فيه ولأنه حد لا يتبعض فوجب تكميله كالقطع في السرقة .
أقسام : أحدها أن تكون خالصة لله تعالى فهي نوعان : أحدها أن يكون فيها قتل مثل أن يسرق ويزني وهو محصن ويشرب ويقتل في المحاربة فهذا يقتل ويسقط سائرها وهذا قول ابن مسعود و عطاء و الشعبي و النخعي و الأوزاعي و مالك و حماد و أبي حنيفة وقال الشافعي : تستوفى جميعها لأن ما وجب مع غير القتل وجب مع القتل كقطع اليد قصاصا .
ولنا قول ابن مسعود قال سعيد حدثنا حسان بن منصور حدثنا مجالد عن عامر عن مسروق عن عبد الله قال : إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل بذلك وقال ابراهيم : يكفيه القتل وحدثنا هشيم أخبرنا حجاج عن ابراهيم و الشعبي و عطاء أنهم قالوا مثل ذلك وهذه أقوال انتشرت في عهد الصحابة والتابعين ولم يظهر لها مخالف فكان إجماعا ولأنها حدود لله فيها قتل فسقط ما دونه كالمحارب إذا قتل وأخذ المال فإنه يكتفى بقتله ولأن هذه الحدود تراد لمجرد الزجر ومع القتل لا حاجة الى زجره لأنه لا فائدة فلا يشرع فيه ويفارق القصاص فان فيه غرض التشفي والانتقام ولا يقصد فيه مجرد الزجر إذا ثبت هذا فانه اذا وجب ما يوجب الرجم والقتل للمحاربة أو القتل للردة أو لترك الصلاة فينبغي أن يقتل للمحاربة ويسقط الرجم لأن في القتل للمحاربة حق آدمي في القصاص وإنما أثرت المحاربة تحتمه وحق الآدمي يجب تقديمه .
ولنا ما روى ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وسئل قالوا [ سئل رسول الله A عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال : إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير ] متفق عليه قال ابن شهاب : وهذا نص في جلد الأمة إذا لم تحصن وهو حجة على ابن عباس وموافقيه و داود وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن وخمسين إذا كانت محصنة خلاف ما شرع الله تعالى فان الله تعالى ضاعف عقوبة المحصنة على غيرها فجعل الرجم على المحصنة والجلد على البكر و داود ضاعف عقوبة البكر على المحصنة واتباع شرع الله أولى وأما دليل الخطاب فقد روي عن ابن مسعود C أنه قال : إحصانها إسلامها و أقراؤها بفتح الألف ثم دليل الخطاب إنما يكون دليلا إذا لم يكن للتخصيص بالذكر فائدة سوى اختصاصه بالحكم ومتى كانت له فائدة أخرى لم يكن دليلا مثل أن يخرج مخرج الغالب أو للتنبيه أو لمعنى من المعاني وقد قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } ولم يختص التحريم باللاتي في حجوركم وقال : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وحرم حلائل الأبناء من الرضاع وأبناء الأبناء وقال : { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وأبيح القصر بدون الخوف وأما العبد فلا فرق بينه وبين الأمة فالتنصيص على أحدهما يثبت حكمه في حق الآخر كما أن قول النبي A : [ من اعتق شركا له في عبد ] ثبت حكمه في حق الأمة ثم إن المنطوق أولى منه على كل حال وأما أبو ثور فخالف نص قوله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وعمل به فيما لم يتناوله النص وخرق الاجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الاجماع في تكميل الجلد على العبيد وتضعيف حد الابكار على المحصنات