مسألة : صحة إسلام الصبي إذا كان له عشر سنين .
مسألة : قال : والصبي إذا كان له عشر سنين وعقل الاسلام فأسلم فهو مسلم .
وجملته أن الصبي يصح إسلامه في الجملة وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه و إسحاق وابن أبي شيبة وأبو أيوب وقال الشافعي و زفر : لا يصح اسلامه حتى يبلغ لقول النبي A : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ] حديث حسن ولأنه قول تثبت به الأحكام فلم يصح من الصبي كالهبة ولأنه أحد من رفع القلم عنه فلم يصح اسلامه كالمجنون والنائم ولأنه ليس بمكلف أشبه الطفل .
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ] وقوله : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله ] وقال عليه السلام : [ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا ] وهذه الأخبار يدخل في عمومها الصبي ولأن الاسلام عبادة محضة فصحت من الصبي العاقل كالصلاة والحج ولأن الله تعالى دعا عباده الى دار السلام وجعل طريقها الاسلام وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الاليم فلا يجوز منع الصبي من إجابة دعوة الله مع إجابته اليها وسلوكه طريقها ولا إلزامه بعذاب الله والحكم عليه بالنار وسد طريق النجاة عليه مع هربه منها ولأن ما ذكرناه اجماع فإن عليا Bه أسلم صبيا وقال : .
( سبقتكم إلى الاسلام طرأ ... صبيا ما بلغت أوان حلم ) .
ولهذا قيل أول من أسلم من الرجال أبو بكر ومن الصبيان علي ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال وقال عروة : أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين وبايع النبي صلى االله عليه وسلم ابن الزبير لسبع أو ثمان سنين ولم يرد النبي A على أحد اسلامه من صغير ولا كبير فأما قول النبي A : [ رفع القلم عن ثلاث ] فلا حجة لهم فيه فإن هذا يقتضي أن لا يكتب عليه ذلك والإسلام يكتب له لا عليه ويسعد به في الدنيا والآخرة فهو كالصلاة تصح منه وتكتب له وان لم تجب عليه وكذلك غيرها من العبادات المحضة فإن قيل فإن الاسلام يوجب الزكاة عليه في ماله ونفقة قريبه المسلم ويحرمه ميراث قريبه الكافر ويفسخ نكاحه قلنا أما الزكاة فإنها نفع لأنها سبب الزيادة والنماء وتحصين المال والثواب وأما الميراث والنفقة فأمر متوهم وهو مجبور بميراثه من أقاربه المسلمين وسقوط نفقة أقاربه الكفار ثم ان هذا الضرر مغمور في جنب ما يحصل له من سعادة الدنيا والآخرة وخلاصه من شقاء الدارين والخلود في الجحيم فينزل منزلة الضرر في أكل القوت المتضمن فوت ما يأكله وكلفة تحريك فيه لما كان بقاؤه به لم يعد ضررا والضرر في مسألتنا في جنب ما يحصل من النفع أدنى من ذلك بكثير .
إذا ثبت هذا فان الخرقي اشترط لصحة إسلامه شرطين : أحدهما أن يكون له عشر سنين لأن النبي A أمر بضربه على الصلاة لعشر .
والثاني : أن يعقل الاسلام ومعناه أن يعلم أن الله تعالى ربه لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وهذا لا خلاف في اشتراطه فان الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الاسلام وانما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شيء وأما اشتراط العشر فان أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد لأن المقصود متى ما حصل لا حاجة الى زيادة عليه وروي عن أحمد إذا كان ابن سبع سبين فإسلامه إسلام لأن النبي A قال : [ مروهم بالصلاة لسبع ] فدل على أن ذلك حد لأمرهم وصحة عباداتهم فيكون حدا لصحة اسلامهم .
وقال ابن أبي شبيبة : إذا أسلم وهو ابن خمس سنين جعل إسلامه إسلاما ولعله يقول أن عليا عليه السلام أسلم وهو ابن خمس سنين لأنه قد قيل أنه مات وهو ابن ثمان وخمسين فعلى هذا يكون إسلامه وهو ابن خمس لأن مدة النبي صلى اله عليه وسلم منذ بعث الى أن مات ثلاث وعشرون سنة وعاش علي بعد ذلك ثلاثين سنة فذلك ثلاث وخمسون فاذا ضممت اليها خمسا كانت ثمانيا وخمسين .
وقال أبو أيوب : أجيز إسلام ابن ثلاث سنين من أصاب الحق من صغير أو كبير أجزناه وهذا لا يكاد يعقل الاسلام ولا يدري ما يقول ؟ ولا يثبت لقوله حكم فان وجد ذلك منه ودلت أحواله وأقواله على معرفة الاسلام وعقله إياه صح منه كغيره والله أعلم