فصول : فروع في الشهادة على القتل .
فصل : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر بقتله ولم يقل عمدا ولا خطأ ثبت القتل لان البينة قد تمت عليه ولم تثبت صفته لعدم تمامها عليه ويسأل المشهود عليه عن صفته فان أنكر أصل القتل لم يقبل إنكاره لقيام البينة به وإن أقر بقتل العمد ثبت باقراره وإن اقر بقتل الخطأ وأنكر الولي فالقول قول القاتل وهل يستحلف على ذلك ؟ يخرج فيه وجهان وان صدقه الولي على الخطأ ثبت عليه وإن أقر بقتل العمد وكذبه الولي وقال بل كان خطأ لم يجب القود لأن الولي لا يدعيه وتجب دية الخطأ ولا تحمل العاقلة شيئا من ديته في هذه المواضع كلها وتكون في ماله لأنها لم تثبت ببينة وفي بعضها القاتل مقر بأنها في ماله دون مال عاقلته وإن قال أحد الشاهدين أشهد أنه اقر بقتله عمدا وقال الآخر أشهد أنه أقر بقتله خطأ ثبت القتل أيضا لانه لا تنافي بين شهادتيهما لانه يجوز أن يقر عند أحدهما بقتل العمد ويقر عند الآخر بقتل الخطأ فثبت إقراره بالقتل دون صفته ويطالب ببيان صفته على ما ذكرنا في التي قبلها وإن شهد احدهما انه قتله عمدا وشهد الآخر انه قتله خطأ ثبت القتل أيضا دون صفته ويطالب ببيان صفته على ما ذكرنا لان الفعل قد يعتقده أحدهما خطأ والآخر عمدا ويكون الحكم كما لو شهد على إقراره بذلك وإن شهد أحدهما انه قتله غدوة وقال الآخر عشية وقال أحدهما قتله بسيف وقال الآخر بعصا لم تتم الشهادة ذكره القاضي لان كل واحد منهما يخالف صاحبه ويكذبه وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر : يثبت القتل بذلك لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صفته فاشبه التي قبلها والأول أصح لأن كل واحد من الشاهدين يكذب صاحبه فان القتل غدوة غير القتل عشية ولا يتصور أن يقتل غدوة ثم يقتل عشية ولا أن يقتل بسيف ثم يقتل بعصا بخلاف العمد والخطأ لان الفعل واحد والخلاف في نيته وقصده وقد يخفى ذلك على أحدهما دون الآخر وإن شهد أحدهما أنه قتله وشهد الآخر انه اقر بقتله ثبت القتل نص عليه أحمد واختاره ابو بكر واختار القاضي انه لا يثبت وهو مذهب الشافعي لان احدهما شهد بغير ما شهد به الآخر فلم تتفق شهادتهما على فعل واحد .
ولنا ان الذي أقر به هو القتل الذي شهد به الشاهد فلا تنافي بينهما فيثبت بشهادتهما كما لو شهد احدهما بالقتل عمدا والآخر بالقتل خطأ أو كما لو شهد احدهما ان له عليه الفا وشهد الآخر انه اقر بالف له .
فصل : إذا قتل رجل عمدا قتلا يوجب القصاص سواء كان الشاهد عدلا او فاسقا لان شهادته تضمنت سقوط حقه من القصاص وقوله مقبول في ذلك فان احد الوليين إذا عفا عن حقه سقط القصاص كله ويشبه هذا ما لو كان عبد بين شريكين فشهد أحدهما ان شريكه اعتق نصيبه وهو موسر عتق نصيبه وان انكره الآخر فان كان الشاهد بالعفو شهد بالعفو عن القصاص والمال لم يسقط المال لأن الشاهد اعترف ان نصيبه سقط بغير اختياره فأما نصيب المشهود عليه فان كان الشاهد ممن لا تقبل شهادته فالقول قول المشهود عليه مع يمينه فاذا حلف ثبتت حصته من الدية وان كان الشاهد مقبول القول حلف الجاني معه وسقط عنه الحق المشهود عليه ويحلف الجاني انه عفا عن الدية ولا يحتاج الى ذكر العفو عن القصاص لأنه قد اسقط بشهادة الشاهد فلا يحتاج الى ذكره في اليمين ولأنه إنما يحلف على ما يدعى عليه ولا يدعى عليه غير الدية .
فصل : واذا جرح رجل فشهد له رجلان من ورثته غير الوالدين والمولودين نظرت فان كانت لجراح مندملة فشهادتهما مقبولة لأنهما لا يجران إلى انفسهما نفعا وإن كانت غير مندملة لم يحكم بشهادتهما لجواز ان تصير نفسا فتجب الدية لهما بشهادتهما فان شهدا في تلك الحال وردت شهادتهما ثم اندملت فأعادا شهادتهما فهل تقبل ؟ على وجهين : أحدهما : لا تقبل لأن الشهادة ردت للتهمة فلا تقبل وان زالت التهمة كالفاسق إذا أعاد شهادته المردودة بعد عدالته والثاني تقبل لان سبب التهمة قد تحقق زواله و للشافعي وجهان كهذين وان شهد وارثا المريض بمال ففي قبول شهادتهما له وجهان : .
أحدهما : تقبل لانهما يثبتان المال للمريض وان مات انتقل اليهما عنه فاشبهت الشهادة للصحيح بخلاف الجناية فانها اذا صارت نفسا وجبت الدية لهما بها والوجه الثاني لا تقبل لانه متى ثبت المال للمريض تعلق حق ورثته به ولهذا لا ينفذ تبرعه فيه فيما زاد على الثلث وان شهد للمجروح بالجرح من لا يرثه لكونه محجوبا كالأخوين يشهدان لأخيهما وله ابن سمعت شهادتهما فان مات ابنه نظرت فان كان الحاكم حكم بشهادتهما لم ينقض حكمه لأن ما يطرأ بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق وان كان ذلك قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لأنهما صارا مستحقين فلا يحكم بشهادتهما كما لو فسق الشاهدان قبل الحكم بشهادتهما وان شهد على رجل بالجراح الموجبة للدية على العاقلة فشهد بعض عاقلة فشهد بعض عاقلة المشهود عليه بجرح المشهود لم تقبل شهادته وان كان فقيرا لأنه قد يكون ذا مال وقت العقل فيكون دافعا عن نفسه وان كان الجرح مما لا تحمله العاقلة كجراحة العمد أو العبد سمعت شهادة العاقلة بجرح الشهود لأنهما لا يدفعان عن انفسهما ضررا فان موجب هذه الجراحة القصاص او المال في ذمة الجاني وكذلك ان كان الشاهدان يشهدان على إقراره بالجرح لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف وان كانت شهادتهما بجراح عقله دون ثلث الدية خطأ نظرنا فان كانت شهادة العاقلة بجرح الشهود قبل الاندمال لم تقبل لأنها ربما صارت نفسا فتحملها العاقلة وان كانت بعده قبلت لأنها لا تحمل ما دون الثلث وان كان الشاهدان بالجرح ليسا من العاقلة في الحال وإنما يصيران من العاقلة التي تتحمل ان لو مات من هو أقرب منهما قبلت شهادتهما ذكره القاضي لانهما ليسا من العاقلة وإنما يصيران منها بموت القريب والظاهر حياته وفارق الفقير اذا شهد لأن الغني ليست عليه أمارة فان المال غاد ورائح ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا ويحتمل أن يسوى بين المسلمين لأن كل واحد منهما ليسا من العاقلة في الحال وانما يصير منها بحدوث امر لم يتفق الآن سببه فهما سواء واحتمال غنى الفقير كاحتمال موت الحي بل الموت أقرب فانه لا بد منه وكل حي ميت وكل نفس ذائقة الموت وليس كل فقير يستغني فما ثبت في إحدى الصورتين يثبت في الاخرى فيثبت فيهما جميعا وجهان بأن ينقل حكم كل واحدة من الصوربين إلى الاخرى .
فصل : اذا شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا رجلا ثم شهد المشهود عليهما على الأولين أنهما اللذان قتلاه فصدق الولي الأولين وكذب الآخرين وجب القتل عليهما لأن الولي يكذبهما وهما يدفعان بشهادتهما عن انفسهما ضررا وإن صدق الاخرين وحدهما بطلت شهادة الجميع لأن الأولين بطلت شهادنهما لتكذيبه لهما ورجوعه عما شهدا له به والآخران لا تقبل شهادتهما لأنهما عدوان للأولين ولأنهما يدفعان عن أنفسهما ضررا وإن صدق الجميع بطلت شهادتهم أيضا لأنه بتصديق الاولين مكذب للآخرين وتصديقه للآخرين تكذيب للأولين وهما متهمان لما ذكرناه فان قيل كيف تتصور هذه المسألة والشهادة انما تكون بعد الدعوى ؟ فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم ؟ قلنا قد يتصور أن يشهدوا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي عن قتله ؟ ولهذا روي عن النبي A أنه قال : [ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ] وهذا معنى ذلك