مسألة وفصول : إذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة .
مسألة : قال أبو القاسم C : اذا وجد فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها .
الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : في أنه إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه قتله على رجل أو جماعة ولم تكن بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوى إن كانت لهم بينة حكم لهم بها وإلا فالقول قول المنكر وبهذا قال مالك و الشافعي و ابن المنذر وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا : والله ما قتلناه ولا علمنا قاتله فان نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فإذا حلفوا وجبت الدية على باقي الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع فان لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا لما روي أن رجلا وجد قتيلا بين حيين فحلفهم عمر Bه خمسين يمينا وقضى بالدية على أقربهما يعني أقرب الحيين فقالوا : والله ما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا أيماننا فقال عمر : حقنتم بأموالكم دماءكم .
ولنا حديث عبد الله بن سهل وقول النبي A : [ لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه مسلم وقول النبي A : [ البينة على المدعي واليمين على من أنكر ] ولأن الأصل في المدعى عليه براءة ذمته ولم يظهر كذبه فكان القول قوله كسائر الدعاوى ولأنه مدعى عليه فلم تلزمه اليمين والغرم كسائر الدعاوى وقول النبي A اولى من قول عمر وأحق بالاتباع ثم قصة عمر يحتمل أنهم اعترفوا بالقتل خطأ وأنكروا العمد فأحلفوا على العمد ثم أنهم لا يعملون بخبر النبي A المخالف للاصول وقد صاروا ههنا الى ظاهر قول عمر المخالف للاصول وهو ايجاب الأيمان على غير المدعى عليه وإلزامهم الغرم مع عدم الدعوى عليهم والجمع بين تحليفهم وتغريمهم وحبسهم على الأيمان قال ابن المنذر : [ سن النبي A البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ] وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر وقول أصحاب الرأي خارج عن هذه السنن .
فصل : ولا تسمع الدعوى على غير معين فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو واحد غير معين أو جماعة منهم بغير أعيانهم لم تسمع الدعوى وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي : تسمع ويستحلف خمسون منهم لأن الأنصار ادعوا القتل على يهود خيبر ولم يعينوا القاتل فسمع رسول الله A دعواهم .
ولنا أنها دعوى في حق فلم تسمع على غير معين كسائر الدعاوى فأما الخبر فإن دعوى الأنصار التي سمعها رسول الله A لم تكن الدعوى التي بين الخصمين المختلف فيها فان تلك من شرطها حضور المدعى عليه عندهم أو تعذر حضوره عندنا وقد بين النبي A أن الدعوى لا تصح على واحد بقوله : [ تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته ] وفي هذا بيان أن الدعوى لا تصح على غير معين .
فصل : فأما إن ادعى القتل من غير وجود قتل ولا عداوة فحكمها حكم سائر الدعاوى في اشتراط تعيين المدعى عليه وان القول قوله لا نعلم فيه خلاف .
الفصل الثاني : فأنه اذا ادعى القتل ولم تكن عداوة ولا لوث ففيه عن أحمد روايتان : .
إ حداهما : لا يحلف المدعى عليه ولا يحكم عليه بشيء ويخلى سبيله هذا الذي ذكره الخرقي ههنا وسواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله فلم يستحلف فيها كالحدود ولأنه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول فلم يستحلف فيها كالحدود .
والثانية : يستحلف وهو الصحيح وهو قول الشافعي لعموم قوله عليه السلام : [ اليمين على المدعى عليه ] وقول النبي A : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] ظاهر في ايجاب اليمين ههنا لوجهين أحدهما عموم اللفظ فيه والثاني أن النبي A ذكره في صدر الخبر بقوله : [ لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ] ثم عقبه بقوله [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] فيعود إلى المدعى عليه المذكور في الحديث ولا يجوز إخراجه منه إلا بدليل أقوى منه ولأنها دعوى في حق آدمي فيستحلف فيها كدعوى المال ولأنها دعوى لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها فتجب اليمين فيها كالأصل المذكور إذا ثبت هذا فالمشروع يمين واحدة وعن أحمد أنه يشرع خمسون يمينا لأنها دعوى في القتل فكان المشروع فيها خمسون يمينا كما لو كان بينهم لوث و للشافعي قولان في هذا كالروايتين .
ولنا أن قوله عليه السلام : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] ظاهر في أنها يمين واحدة من وجهين أحدهما أنه وحد اليمين فينصرف الى واحدة والثاني أنه لم يفرق في اليمين المشروعة فيدل على التسوية بين المشروعة في الدم والمال ولأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل فلم تغلظ كسائر الايمان ولأنها يمين مشروعة في جنبة المدعى عليه ابتداء فلم تغلظ بالتكرير كسائر الايمان وبهذا فارق ما ذكروه فإن نكل المدعى عليه عن اليمين لم يجب القصاص بغير خلاف في المذهب وقال أصحاب الشافعي إن نكل المدعى عليه ردت اليمين على المدعي فحلف خمسين يمينا واستحق القصاص ان كانت الدعوى عمدا والدية إن كانت موجبة للقتل لأن يمين المدعي مع نكول المدعى عليه كالبينة أو الاقرار والقصاص يجب بكل واحد منهما .
ولنا أن القتل لم يثبت ببينة ولا إقرار ولم يعضده لوث فلم يجب القصاص كما لو لم ينكل ولا يصح إلحاق الايمان مع النكول ببينة ولا إقرار لأنها أضعف منها بدليل أنه لا يشرع عند عدمهما فيكون بدلا عنهما والبدل أضعف من المبدل ولا يلزم من ثبوت الحكم بالأقوى ثبوته بالأضعف ولا يلزم من وجوب الدية وجوب القصاص لأنه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال ولا بالشاهد واليمين ويحتاط له ويدرأ بالشبهات والدية بخلافه فأما الدية فتثبت بالنكول عند من يثبت المال به أو ترد اليمين على المدعي فيحلف يمينا واحدة ويستحقها كما لو كانت الدعوى في مال والله أعلم