مسألة وفصول دية الأنف وحاسة الشم .
مسألة : قال : وفي المشام الدية .
يعني الشم في إتلافه الدية لأنه حاسة تختص بمنفعة فكان فيها الدية كسائر الحواس ولا نعلم في هذا خلافا قال القاضي في كتاب عمرو بن حزم عن النبي A أنه قال : [ وفي المشام الدية ] فإن ادعى ذهاب شمه اغتفلناه بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر للمتن فالقول قول الجاني مع يمينه وإن لم يبن منه ذلك فالقول قول المجني عليه كقولهم في اختلافهم في السمع وإن ادعى المجني عليه نقص شمه فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهته فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في انقضاء عدتها بالأقراء ويجب له من الدية ما تخرجه الحكومة وإن ذهب شمه ثم عاد قبل أخذ الدية سقطت وإن كان بعد أخذها ردها لأنا تبينا أنه لم يكن ذهب وإن رجى عود شمه إلى مدة انتظر إليها وإن ذهب شمه من أحد منخريه ففيه نصف الدية كما لو ذهب بصره من إحدى عينيه .
فصل : وفي الأنف الدية إذا كان قطع مارنه بغير خلاف بينهم حكاه ابن عبد البر و ابن المنذر عمن يحفظ عنه من أهل العلم وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي A أنه قال : [ وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية ] وفي رواية مالك في الموطأ : [ إذا ادعى جدعا ] يعني إذا استوعب واستؤصل ولأنه عضو فيه جمال ومنفعة ليس في البدن منه إلا شيء واحد فكانت فيه الدية كاللسان وإنما الدية في مارنه وهو ما لان منه هكذا قال الخليل وغيره لأنه يروى عن طاوس أنه قال : كان في كتاب رسول الله A : [ في الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية ] ولأن الذي يقطع فيه ذلك فانصرف الخبر إليه فإن قطع بعضه ففيه بقدره من الدية يمسح ويعرف قدر ذلك منه كما قلنا في الأذنين وقد روي هذا عن عمر بن عبد العزيز و الشعبي و الشافعي وإن قطع أحد المنخرين ففيه ثلث الدية وفي المنخرين ثلثاها وفي الحاجز الثلث قال أحمد : في الوترة الثلث وفي الحرمة في كل واحد منهما الثلث وبهذا قال إسحاق وهو أحد وجهين لأصحاب الشافعي لأن المارن يشتمل على ثلاثة أشياء من جنس فتوزعت الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من جنس من اليدين والأصابع والأجفان الأربعة وحكى أبو الخطاب وجها آخر أن في المنخرين الدية وفي الحاجز بينهمت حكومة لقول أحمد : في كل زوجين من الإنسان الدية وهذا الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث فأشبها اليدين ولأنه بقطع المنخرين أذهب الجمال كله ولا منفعة فأشبه قطع اليدين فعلى هذا الوجه في قطع أحد المنخرين نصف الدية وإن قطع معه الحاجز ففيه حكومة وإن قطع نصف الحاجز أو أقل أو أكثر لم يزد على حكومة وعلى الأول في قطع أحد المنخرين ونصف الحاجز نصف الدية وفي قطع جميعه مع المنخر ثلثا الدية وفي قطع جزء من الحاجز أو أحد المنخرين بقدره من ثلث الدية يقدر بالمساحة فإن شق الحاجز بين المنخرين ففيه حكومة فإن بقي منفرجا فالحكومة فيه أكثر .
فصل : وإن قطع المارن مع القصبة ففيه الدية في قياس المذهب وهذا مذهب مالك ويحتمل أن تجب الدية في المارن وحكومة في القصبة وهذا مذهب الشافعي لأن المارن وحده موجب للدية فوجبت الحكومة في الزائد كما لو قطع القصبة وحدها مع قطع لسانه .
ولنا قوله عليه السلام : [ في الأنف إذا أوعب جدعا الدية ] ولأنه عصو واحد فلم يجب به أكثر من دية كالذكر إذا قطع من أصله وما ذكروه يبطل بهذا ويفارق إذا قطع لسانه وقصبته لأنهما عضوان فلا تدخل دية أحدهما في الآخر وأما العضو الواحد فلا يبعد أن يجب في جميعه ما يجب في بعضه كالذكر تجب في حشفته الدية التي تجب في جميعه وأصابع اليد يجب فيها ما يجب في اليد من الكوع وكذلك أصابع الرجل وفي الثدي كله ما في حلمته فأا إن قطع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من الأنف فأشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته .
فصل : فإن ضرب أنفه فأشله ففيه حكومة وإن قطعه قاطع بعد ذلك ففيه ديته كما قلنا في الأذن وقول الشافعي ههنا كقوله في الأذن على ما مضى شرحه وتبيانه وإن ضربه فعوجه أو غير لونه ففيه حكومة في قولهم جيمعا وفي قطعه بعد ذلك دية كاملة وإن قطعه إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطعه ففيه دية لأنه قطع جميعه بعضه بالمباشرة وباقيه بالتسبب فأشبه ما لو سرى قطع بعضه إلى قطع جميعه وإن رده فالتحم ففيه حكومة لأنه لم يبن وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر : ليس فيه إلا حكومة كالتي قبلها وقال القاضي : فيه دية وهذا مذهب الشافعي لأنه أبان أنفه فلزمته ديته كما لو لم يلتحم ولأن ما أبين قد نجس فلزمه أن يبينه بعد التحامه ومن قال بقول أبي بكر منع نجاسته ووجوب إبانته لأن أجزاء الآدمي كجملته بدليل سائر الحيوانات وجملته طاهرة وكذلك أجزاؤه .
فصل : وإن قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان لأن الشم في غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر كالسمع مع الأذن والبصر مع أجفان العينين والنطق مع الشفتين وإن قطع أنف الأخشم وجبت ديته لأن ذلك عيب في غير الأنف فأشبه ما ذكرنا