فصول ضمان القتل بالسبب كما بالمباشرة بسبب غير مشروع حفر بئر اقامة جدار مائل وصور تفريعية .
فصل : ويجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة فإذا حفر بئرا في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغيره إذنه أو وضع في ذلك حجرا أو حديدة أو صب فيه ماء أو وضع فيه قشر بطيخ أو نحوه وهلك فيه إنسان أو دابة ضمه لأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو جنى عليه روي عن شريح أنه ضمن رجلا حفر بئرا فوقع فيها رجل فمات وروي ذلك عن علي Bه وبه قال النخعي و الشعبي و حماد و الثوري و الشافعي و إسحاق وإن وضع رجل حجرا وحفر آخر بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على السكين فهلك فالضمان على واضع الحجر دون الحافر وناصب السكين لأن واضع الحجر كالدافع له وإذا اجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده وبهذا قال الشافعي ولو وضع رجل حجرا ثم حفر عنده آخر بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فسقط عليهما فهلك احتمل أن يكون الحكم كذلك لما ذكرنا واحتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن فعلهما متأخر عن فعله فأشبه ما لو كان زق فيه مائع وهو واقف فحل وكاءة إنسان وأماله آخر فسال ما فيه كان الضمان على الآخر منهما وإن وضع إنسان حجرا أو حديدة في ملكه أو حفر فيه بئرا فدخل إنسان بغير إذنه فهلك به فلا ضمان على المالك لأنه لم يتعد وإنما الداخل هلك بعدوان نفسه وإن وضع حجرا في ملكه ونصب أجنبي فيه سكينا أو حفر بئرا بغير إذنه فعثر رجل بالحجر فوقع على السكين أو في البئر فالضمان على الحافر وناصب السكين لتعديهما إذا لم يتعلق الضمان بواضع الحجر لانتفاء عدوانه وإن اشترك جماعة في عدوان تلف به شيء فالضمان عليهم وإن وضع اثنان حجرا وواحد حجرا فعثر بهما إنسان فهلك فالدية على عواقلهم أثلاثا في قياس المذهب وهو قول أبي يوسف لأن السبب حصل من الثلاثة أثلاثا فوجب الضمان عليهم وإن اختلفت أفعالهم كمال لو جرحه واحد جرحين وجرحه اثنان جرحين فمات بهما وقال زفر : على الاثنين النصف وعلى واضع الحجر وحده النصف لأن فعله مساو لفعلهما وإن حفر إنسان بئرا ونصب آخر سكينا فوقع إنسان في البئر على المسكين فمات فقال ابن حامد : الضمان على الحافر لأنه بمنزلة الدافع وهذا قياس المسائل التي قبلها ونص أحمد C على أن الضمان عليهما قال أبو بكر : لأنهما في معنى الممسك والقاتل الحافر كالممسك وناصب السكين كالقاتل فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين في المسائل السابقة .
فصل : وإن حفر بئرا في ملك نفسه أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه لأنه متعد بحفرها وإن حفرها في موات لم يضمن لأنه غير متعد بحفرها وكذلك إن وضع حجرا أو نصب شركا أو شكبة أو منجلا ليصيد بها وإن فعل شيئا من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان من هلك به لأنه متعد وسواء أذن له الإمام فيه أو لم يأذن فإنه ليس للإمام الإذن فيما يضر بالمسلمين ولو فعل ذلك الإمام لضمن ما تلف به لتعديه وإن كان الطريق واسعا فحفر في مكان منها ما يضر بالمسلمين فعليه الضمان كذلك وإن حفر في موضع لا ضرر فيه نظرنا فإن حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الإمام أو غير إذنه وقال أصحاب الشافعي : إن حفرها بإذن الإمام لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز أن يأذن في القعود فيه ويقطعه لمن يبيع فيه .
ولنا أنه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن له الإمام ولا نسلم أن للإمام أن يأذن في هذا وإنما يأذن في القعود لأن ذلك لا يدوم وتمكن إزالته في الحال فأشبه القعود في المسجد ولأن القعود جائز من غير إذن الإمام بخلاف الحفر وإن حفر البئر لنفع المسلمين مثل أن يحفره لينزل فيه ماء المطر من الطريق أو لتشرب منه المارة ونحوها فلا ضمان عليه لأنه محسن بفعله غير متعد بحفره فأشبه باسط الحصير في المسجد وذكر بعض أصحابنا أنه لا يضمن إذا كان بإذن الإمام وإن كان بغير إذنه ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يضمن فإن أحمد قال في رواية إسحاق بن إبراهيم : إذا أحدث بئرا لماء المطر ففيه نفع للمسلمين أرجو أن لا يضمن .
والثانية : يضمن أومأ إليه أحمد لأنه افتأت على الإمام ولم يذكر القاضي سوى هذه الرواية والصحيح هو الأول لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استذان الإمام فيه وتعم البلوى به ففي وجوب استئذان الإمام فيه تفويت لهذه المصلحة العامة لأنه لا يكاد يوجد من يتحمل كلفة استئذانه وكلفة الحفر معا فتضيع هذه المصلحة فوجب إسقاط استئذانه كما في سائر المصالح العامة من بسط حصير في مسجد أو تعليق قنديل فيه أو وضع سراج أو رم شعث فيه وأشباه ذلك وحكم البناء في الطريق حكم الحفر فيها على ما ذكرنا من التفصيل والخلاف وهو أنه متى بناء يضر إما لكونه في طريق ضيق أو في واسع يضر المارة أو بنى لنفسه فقد تعدى ويضمن ما تلف به وإن بنى في طريق واسع في موضع لا يضر البناء فيه لنفع المسلمين كبناء مسجد يحتاج إليه للصلاة فيه في زاوية ونحوها فلا ضمان عليه وسواء في ذلك كله إذن فيه الإمام أو لم يأذن ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لأن الحفر تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين والماء منها بخلاف البناء فجرى حفرها مجرى تنقيتها وحفر هدفة منها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصا في حفرة منها ليملأها ويسهلها بإزالة الطين ونحوه منها وتسقيف ساقيه فيها ووضع حجر في طيه فيها ليطأ الناس عليه أو يعبروا عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا أعلم فيه خلافا وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر استئذان الإمام لأن مصلحته لا يعم وجودها بخلاف غيره وإن سقف مسجدا أو فرض بارية فيه أو نصب عليه بابا أو جعل فيه رفا لينفع أهله أو علق فيه قنديلا أو بنى فيه حائطا فتلف به شيء فلا ضمان عليه وقال اصحاب الشافعي : إن فعل شيئا من ذلك بغير إذن الإمام ضمن في أحد الوجهين : وقال أبو حنيفة : يضمن إذا لم يأذن فيه الجيران .
ولنا أنه فعل أحسن به ولم يتعد فيه فلم يضمن ما تلف به كمالو أذن فيه الإمام والجيران ولأن هذا مأذون فيه من جهة العرف لأن العادة جارية بالتبرع به من غير استئذان فلم يجب ضمان كالمأذون فيه نطقا .
فصل : وإن حفر العبد بئرا في ملك إنسان بعير إذنه أو في طريق يضرر به ثم أعتقه سيده ثم تلف بها شيء ضمنه العبد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : الضمان على سيده لأن الجناية هي الحفر في حالة رقه وكان ضمان جنايته حينئذ على سيده فلا يزول ذلك بعتقه كما لو جرح في حال رقه ثم سرى جرحه بعد عتقه .
ولنا أن التلف الموجب للضمان وجد بعد إعتاقه فكان الضمان عليه كما لو اشترى سيفا في حال رقه ثم قتل به بعد عتقه وفارق ما قاسوا عليه لأن الإتلاف الموجب للضمان وجد حال رقه وههنا حصل بعد عتقه وكذلك القول في نصب حجر أو غيره من الأسباب التي يجب بها الضمان .
فصل : وإذا حفر إنسان بئرا في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ضمن ما تلف به جميعه وهذا قياس مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن ما قابل نصيب شريكه فلو كان له شريكان لضمن ثلثي التالف لأنه تعدى في نصيب شريكيه وقال أبو يوسف عليه نصف الضمان لأنه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين كما لو جرحه واحد جرحا وجرحه آخر جرحين .
ولنا أنه متعد بالحفر فضمن الواقع فيما كما لو كان في ملك غيره والشركة أوجبت تعديه بجميع الحفر فكان موجبا لجميع الضمان ويبطل ما ذكره أبو يوسف بما لو حفره في طريق مشترك فإن له فيها حقا ومع ذلك يضمن الجميع والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع .
فصل : وإذا حفر بئرا في ملك إنسان أو وضع فيه ما يتعلق به الضمان فأبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ففيه وجهان : أحدهما : يبرأ لأن المالك لو أذن فيه ابتداء لم يضمن ما تلف به فإذا أبرأه من الضمان وأذن فيه زال عنه الضمان كما لو اقترن الإذن بالحفر والآخر : لا ينتفي عنه الضمان لأنه سبب موجب للضمان فلا يزول حكمه بالإبراء كسائر الأسباب ولأن حصول الضمان به لكونه تعدى بحفره والإبراء لا يزيل ذلك لأن ما مضى لا يمكن تغييره عن الصفة التي وقع عليها ولأن وجوب الضمان ليس بحق للمالك الإبراء منه كما لو أبرأه غير المالك ولأنه إبراء مما لم يجب فلم يصح كالإبراء من الشفعة قبل البيع .
فصل : وإن استأجره أجيرا فحفر في ملك غيره بغير إذنه وعلم الأجير ذلك فالضمان عيه وحده لأنه متعد بالحفر وليس له فعل ذلك بأجرة ولا غيرها فتعلق الضمان به كما لو أمره غيره بالقتل فقتل وإن لم يعلم فالضمان على المستأجر لأنه غره فتعلق الضمان به كالإثم وكذلك الحكم في البناء ونحوه ولو استأجر أجيرا ليحفر له في ملكه بئرا أو ليبني له فيها بناء فتلف الأجير بذلك لم يضمنه المستأجر وبهذا قال عطاء و الزهري و قتادة و أصحاب الرأي ويشبه مذهب الشافعي ل [ قول النبي A : البئر جبار ] ولأنه لم يتلفه وإنما فعل الأجير باختيار نفسه فعلا أفضى إلى تلفه فأشبه ما لو فعله تبرعا من عبد نفسه إلا أن يكون الأجير عبدا استأجره بغير إذن سيده أو صبيا بغير إذن وليه فيضمنه لأنه متعد باستعماله متسبب إلى إتلاف حق غيره .
فصل : فإن حفر إنسان بئرا في ملكه فوقع فيها إنسان أو دابة فهلك به وكان الداخل دخل بغير إذنه فلا ضمان على الحافر لأنه لا عدوان منه وإن دخل بإذنه والبئر بينة مكشوفة والداخل بصير يبصرها فلا ضمان أيضا لأن الواقع هو الذي أهلك نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سيف فقتل به نفسه وإن كان الداخل أعمى أو كانت في ظلمة لا يبصرها الداخل أو غطى رأسها فلم يعلم الداخل بها حتى وقع فيها فعليه ضمانه وبهذا قال شريح و الشعبي و النخعي و حماد و مالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال في الآخر : لا يضمنه لأنه هلك نفسه .
ولنا أنه تلف بسببه فضمنه كما لو قدم له طعاما مسموما فأكله وبهذا ينتقض ما ذكروه وإن اختلفا فقال صاحب الدار : ما أذنت لك في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له فالقول قول المالك لأنه منكر وإن قال : كانت مكشوفة وقال الآخر كانت مغطاة فالقول قول ولي الواقع لأن الظاهر معه فإن الظاهر أنها لو كانت مكشوفة لم يسقط فيها ويحتمل أن القول قول المالك لأن الأصل براءة ذمته فلا تشتغل بالشك ولأن الأصل عدم تغطيتها .
فصل : وإذا بنى في ملكه حائطا مائلا إلى الطريق أو إلى ملك غيره فتلف به شيء وسقط على شيء فأتلفه ضمنه لأنه متعد بذلك فإنه ليس له الانتفاع بالبناء في هواء ملك غيره أو هواء مشترك ولأنه يعرضه للوقوع على غيره في غير ملكه فأشبه ما لو نصب فيه منجلا يصيد به وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا وإن بناه في ملكه مستويا أو مائلا إلى ملكه فسقط من غير استهدام ولا ميل فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لأنه لم يتعد ببنائه ولا حصل منه تفريط بابقائه وإن مال قبل وقوعه إلى ملكه ولم يتجاوزه فلا ضمان عليه لأنه بمنزلة بنائه مائلا في ملكه وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق أو إلى ملك إنسان أو ملك مشترك بينه وبين غيره نظرنا فإن لم يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لأنه لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترط نقضه لعجزه عنه فأشبه ما لو سقط من غير ميل فإن أمكنه نقضه فلم ينقضه لم يخل من حالين : أحدهما : أن يطالب بنقضه والثاني : أن لايطالب به فإن لم يطالب به لم يضمن في المنصوص عن أحمد وهو ظاهر كلام الشافعي ونحوه قال الحسن و النخعي و الثوري وأصحاب الرأي لأنه بناه في ملكه والميل حادث بغير فعله فأشبه ما لو وقع قبل ميله وذكر بعض أصحابنا فيه وجها آخر أن عليه الضمان وهو قول ابن أبي ليلى و أبي ثور و إسحاق لأنه متعد بتركه مائلا فضمن ما تلف به كما لو بناه مائلا إلى ذلك ابتداء ولأنه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف ولو لم يكن ذلك موجبا للضمان لم يضمن بالمطالبة كما لو لم يكن مائلا أو كان مائلا إلى ملكه وأما إن طولب بنقضه فلم يفعل فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وقال أصحابنا : يضمن وقد أومأ إليه أحمد وهو مذهب مالك ونحوه قال الحسن و النخعي و الثوري وقال أبو حنيفة : الاستحسان أن يضمن لأن حق الجواز للمسلمين وميل الحائط يمنعهم ذلك فلهم المطالبة بإزالته فإذا لم يزله ضمن كما لو وضع عدلا على حائط نفسه فوقع في ملك غيره فطولب برفعه فلم يفعل حتى عثر به إنسان وفيه وجه آخر : لا ضمان عليه قال أبو حنيفة : وهو القياس لأنه بناه في ملكه ولم يسقط بفعله فأشبه ما لو لم يطالبه بنقضه أو سقط قبل ميله أو لم يمكنه نقضه ولأنه لو وجب الضمان لم تشترط المطالبة كما لو بناه مائلا إلى غير ملكه فإن قلنا عليه الضمان إذا طولب فإن المطالبة من كل مسلم أو ذمي توجب الضمان إذا كان ميله إلى الطريق لأن لكل واحد منهم حق المرور فكانت له المطالبة كمالو مال الحائط إلى ملك جماعة كان لكل واحد منهم المطالبة وإذا طالب واحد فاستأجله صاحب الحائط أو أجله له الإمام لم يسقط عنه الضمان لأن الحق لجميع المسلمين فلا يملك واحد منهم إسقاطه وإن كانت المطالبة لمتسأجر الدار أو مرتهنها أو مستعيرها ومستودعها فلا ضمان عليهم لأنهم لا يملكون النقض وليس الحائط ملكا لهم وإن طولب المالك في هذه الحال فلم يمكنه استرجاع الدار ونقض الحائط فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وإن أمكنه استرجاعها كالمعسر والمودع والراهن إذا امكنه فكاك الرهن فلم يفعل ضمن لأنه أمكنه النقض وإن كان المالك محجورا عليه لسفه أو صغر أو جنون فطولب هو لم يلزمه الضمان لأنه ليس أهلا للمطالبة وإن طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه فالضمان على المالك لأن سبب الضمان ماله فكان الضمان عليه دون المتصرف كالوكيل مع الموكل وإن كان الملك مشتركا بين جماعة فطولب أحدهم بنقضه احتمل وجهين : أحدهما : لا يلزمه شيء لأنه لا يمكنه نقضه بدون إذنهم فهو كالعاجز عن نقضه .
والثاني : يلزمه بحصته لأنه يتمكن من النقض بمطالبة شركائه وإلزامهم النقض فصار بذلك مفرطا وأما إن كان ميل الحائط إلى ملك آدمي معين إما واحد وإما جماعة فالحكم على ما ذكرنا إلا أن المطالبة للمالك أو ساكن الملك الذي مال إليه دون غيره وإن كان لجماعة فأيهم طالب وجب النقض بمطالبته كما لو طالب واحد بنقض المائل إل الطريق إلا أنه متى طالب ثم أجله صاحب الملك أو ابرأه منه أو فعل ذلك ساكن الدار التي مال إليها جاز لأن الحق له وهو يملك إسقاطه وإن مال إلى درب غير نافذ فالحق لأهل الدرب والمطالبة لهم لأن الملك لهم ويلزم النقض بمطالبة أحدهم ولا يبرأ بإبرائه وتأجيله إلا أن يرضى بذلك جميعهم لأن الحق لجيمعهم .
فصل : وإذا تقدم إلى صاحب الحائط بنقضه فباعه مائلا فلا ضمان على بائعه لأنه ليس بملك له ولا على المشتري لأنه لم يطالب بنقضه وكذلك إن وهبه وأقبضه وإن قلنا بلزوم الهبة زال الضمان عنه بمجرد العقد وإذا وجب الضمان وكان التالف به آدميا فالدية على عاقلته فإن أنكرت عاقلته كون الحائط لصاحبهم لم يلزمهم العقل إلا أن يثبت ذلك ببينة لأن الأصل عدم الوجوب عليهم فلا يجب بالشك وإن اعترف صاحب الحائط لزمه الضمان دونهم لأن العاقلة لا تحمل اعترافا وكذلك إن أنكروا مطالبته بنقضه فالحكم على ما ذكرنا وإن كان الحائط في يد صاحبهم وهو ساكن في الدار لم يثبت بذلك الوجوب عليه لأن دلالة ذلك على الملك من جهة الظاهر لا تثبت به الحقوق وإنما ترجح به الدعوى .
فصل : وإن لم يمل الحائط لكن تشقق فإن لم يخش سقوطه لكون شقوقه بالطول لم يجب نقضه وكان حكمه في هذا حكم الصحيح لأنه لم يخف سقوطه فأشبه الصحيح وإن خيف وقوعه مثل ان تكون شقوقه بالعرض فحكمه حكم المائل لأنه يخاف منه التلف فأشبه المائل