مسألة وفصول دية الجنين إذا كان مملوكا ودية جنين المدبرة ومن وطئها بشبيهة .
مسألة : قال : وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى .
وجملة ذلك أنه إذا كان جنين الأمة مملوكا فسقط من الضربة ميتا ففيه عشر قيمة أمه هذا قول الحسن و قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وبنحوه قال النخعي و الزهري وقال زيد بن أسلم : يجب فيه نصف عشر غرة وهو خمسة دنانير وقال الثوري و أبو حنيفة واصحابه : يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا وعشر قيمته إن كان أنثى لأن الغرة واجبة في جنين الحرة نصف عشر دية الجرل وعشر دية الأنثى وهذا متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتبار بأمه ولأنه جنين مضمون تلف بالضربة فكان فيه نصف عشر الواجب فيه إذا كان ذكرا كبيرا وعشر الواجب إذا كان أنثى كجنين الحرة وقال محمد بن الحسن : مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته إذا كان حيا .
ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بالذكورية والأنوثة كجنين الحرة ودليلهم نقلبه عليهم فنقول جنين مضمون تلف بالجناية فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمه كجنين الحرة وما ذكروه من مخالفة الأصل معارض بأن مذهبهم يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر وهو خلاف الأصول ولأنه لو اعتبر بنفسه لوجبت قيمته كلها كسائر المضمونات بالقيمة ولأن مخالفتهم أشد من مخالفتنا لأننا اعتبرناه إذا كان ميتا بأمه وإذا كان حيا بنفسه فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع أطراف إنسان الأربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها وهم فضلوا الأنثى على الذكر مع اتحاد الجهة وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمته تارة ونصف عشرها أخرى وهذا لا نظير له إذا ثبت هذا فإن قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها وهذا منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه : تقوم حين أسقطت لأن الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار ويتخرج لنا وجه كذلك .
ولنا أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس فكان الاعتبار بحال الجناية كما لو جرح عبدا ثم نقصت السوق لكثرة الجلب ثم مات فإن الاعتبار بقيمته يوم الجناية ولأن قيمتها تتغير بالجناية وتنقص فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية كما لو قطع يدها فماتت من سرايتها أو قطع يدها فمرضت بذلك ثم اندملت جراحتها .
فصل : وولد المدبرة والمكاتبة والمعتقة بصفة وأم الولد إذا حملت من غير مولاها حكمه حكم ولد الأمة لأنه مملوك ولا تحمل العاقلة شيئا من ذلك لأن العاقلة لا تحمل عبدا بحال فأما جنين المعتق بعضها فهو كهي فيه من الحرية مثل ما فيها فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده .
فصل : وإن وطىء أمة بشبهة أو غير بأمه فتزوجها وأحبلها فضربها ضارب فألقت جنينا فهو حر وفيه غرة موروثة عنه لورثته وعلى الواطىء عشر قيمتها لسيدها لأنه لولا اعتقاد الحرية لكان هذا الجنين مملوكا لسيده على ضاربه عشر قيمة أمه فلما انعتق بسبب الوطء فقد حال بين سيدها وبين هذا القدر فألزمناه ذلك للسيد سواء كان بقدر الغرة أو أكثر منها أو أقل .
فصل : إذا سقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه اليقين وهو ما في جنين الذمي فإن ألحق بعد ذلك بالذمي فقد وفى ما عليه وإن ألحق بمسلم فعليه تمام الغرة وإن ضرب نصرانية فأسقطت وادعت أو ادعى ورثته أنه من مسلم حملت به من وطء شبهة أو زنا فاعترف الجاني فعليه غرة كاملة وإن كان مما تحمله العاقلة فاعترف أيضا فالغرة عليها وإن أنكرت حلفت وعليها ما في جنين الذميين والباقي على الجاني لأنه ثبت باعترافه والعاقلة لا تحمل اعترافا وإن اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية أمه وإن أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم مع إيمانهم أننا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم ولا تلزمهم اليمين على البت لأنها يمين على النفي في فعل الغير فإذا حلفوا وجبت دية ذمي لأن الأصل أن ولدها تابع لها ولأن الأصل براءة الذمة وإن كان مما لا تحمله العاقلة فالقول قول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم فادعى الجاني أن الجنين من ذمي بوطء شبهة أو زنا فالقول قول ورثة الجنين لأن الجنين محكوم بإسلامه فإن الولد للفراش .
فصل : وإذا كانت الأمة بين شريكين فحملت بمملوك فضربها أحدهما فاسقطت فعليه كفارة لأنه أتلف آدميا ويضمن لشريكه نصف عشر قيمة أمه ويسقط ضمان نصيبه لأنه ملكه وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسرا ثم اسقطت عتق نصيبه منها ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الأم وعليه نصف غرة من أجل النصف الذي صار حرا يورث عنه بمنزلة مال الجنين ترث أمه منه بقدر ما فيها من الحرية .
والباقي لباقي ورثته هذا قول القاضي : وقياس قول أبي بكر وأبي الخطاب : لا يجب على الضارب ضمان ما أعتقه لأنه حين الجناية لم يكن مضمونا عليه والاعتبار في الضمان بحال الجناية وهي الضرب ولهذا اعتبرنا قيمة الام حال الضرب وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وهذا أصح إن شاء الله لأن إتلاف حصل بفعل غير مضمون فأشبه ما لو جرح حربيا فأسلم ثم مات بالسراية ولأن موته يحتمل أن يكون قد حصل بالضرب فلا يتجدد ضمانه بعد موته والأصل براءة ذمته وإن كان المعتق موسرا سرى العتق إليها وإلى جنينها وفي الضمان الوجهان فعلى قول القاضي في الجنين غرة موروثة عنه وعلى قياس قول أبي بكر عليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة أمه ولا يضمن أمه لأنه قد ضمنها بإعتاقها فلا يضمنها بتلفها وإن كان المعتق الشريك الذي لم يضرب وكان معسرا فلا ضمان على الشريك في نصيبه لأن العتق لم يسر إليه وعليه في نصيب شريكه بنصف عشر قيمة أمه يكون لسيده إعتبارا بحال الجناية وكذلك الحكم في ضمان الأم إذا ماتت من الضربة وإن كان المعتق موسرا سرى العتق إليهما وصارا حرين وعلى المعتق ضمان نصف الأم ولا يضمن نصف الجنين لأنه يدخل في ضمان الأم كما يدخل في بيعها وعلى الضارب ضمان الجنين بغرة موروثة عنه على قول القاضي وعلى قياس قول أبي بكر يضمن نصيب الشريك بنصف عشر قيمة أمه وليس عليه نصيبه لأنه ملكه حال الجناية عليه وأما ضمان الأم ففي أحد الوجهين فيها دية حرة لسيدها منها أقل الأمرين من ديتها أو قيمتها وعلى الآخر يضمنها بقيمتها لسيدها كما تقدم من قطع يد عبد ثم أعتق ومات .
فصل : ولو ضرب بطن أمته ثم أعتقها ثم أعتقها ثم أسقطت جنينا ميتا لم يضمنه في قياس قول أبي بكر لأن جنايته لم تكن مضمونة في ابتدائها فلم يضمن سرايتها كما لو جرح مرتدا فأسلم ثم مات ولأن موت الجنين يحتمل أنه حصل بالضربة في مملوكة ولم يتجدد بعد العتق ما يوجب الضمان وعلى قول ابن حامد : عليه غرة لا يرث منها شيئا لأن اعتبار الجناية بحال استقرارها ولو كانت الأمة لشريكين فضربانها ثم أعتقاها معا فوضعت جنينا ميتا فعلى قول أبي بكر على كل واحد منهما نصف عشر قيمة أمه لشريكه لأن كل واحد منهما جنى على الجنين ونصفه له فسقط عنه ضمانه ولزم ضمان نصفه الذي لشريكه بنصف عشر قيمة أمه اعتبارا بحال الجناية وعلى قول ابن حامد على كل واحد منهما نصف الغرة منها الثلث وباقيها للورثة ولا يرث القاتل منها شيئا .
فصل : إذا ضرب ابن المعتقة الذي أبوه عبد بطن امرأة ثم أعتق أبوه ثم أسقطت جنينا ومات احتمل أن تكون ديتهما في مال الجاني على ما تقدم ذكره واحتل أن تكون الدية على مولى الأم وعصباته في قياس قول أبي بكر اعتبارا بحال الجناية وعلى قياس قول ابن حامد : على مولى الأب وأقاربه اعتبارا بحال الإسقاط وإن ضرب ذمي بطن امرأته الذمية ثم اسلم ثم أسقطت لم تحمله عاقلته وإن ماتت معه فكذلك لأن عاقلته المسلمين لا يعقلون عنه لأنه كان حين الجناية ذميا وأهل الذمة لا يعقلون عنه لأنه حين الإسقاط مسلم ويحتمل أن يكون عقله في قياس قول أبي بكر على عاقلته من أهل الذمة اعتبارا بحال الجناية ويكون في الجنين ما يجب في الجنين الكافر لأنه حين الجناية محكوم بكفره وعلى قياس قول ابن حامد تجب غرة كاملة ويكون عقله وعقل أمه على عاقلته المسلمين اعتبارا بحال الاستقرار