فصلان الأشياء التي تغلظ بها الدية .
فصل : وذكر أصحابنا أن الدية تغلظ بثلاثة أشياء : إذا قيل في الحرم والشهور الحرم وإذا قتل محرما وقد نص أحمد C على التغليظ على من قتل محرا في الحرم وفي الشهر الحرام فأما إن قتل ذا رحم محرم فقال أبو بكر : تلغظ ديته وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ وقال أصحاب الشافعي : تغلظ بالحرم والأشهر الحرم ذوي الرحم المحرم وفي التغليظ بالإحرام وجهان وممن روي عنه التغليظ عثمان وابن عباس والسعيدان و عطاء و طاوس و الشعبي و مجاهد و سليمان بن يسار و جابر بن زيد و قتادة و الأوزاعي و مالك و الشافعي و إسحاق واختلفت القائلون في صفته فقال أصحابنا : تغلظ لكل واحد من الحرمات ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الثلاث وجبت ديتان قال أحمد في رواية ابن منصور فيمن قتل محرما في الحرم وفي الشهر الحران : فعليه أربعة وعشرون ألفا وهذا قول التابعين القائلين بالتغليظ .
وقال أصحاب الشافعي : صفة التغليظ إيجاب دية العمد في الخطأ لا غير ولا يتصور التغليظ في غير الخطأ ولا يجمع بين تغليظين وهذا قول مالك إلا أنه يغلظ في العمد فإذا قتل ذا رحم محرم عمدا فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وتغليظها في الذهب والورق أن ينظر قيمة أسنان الإبل غير مغلظة وقيمتها مغلظة ثم يحكم بزيادة ما بينهما كان قيمتها مخففة ستمائة وفي العمد ثمانمائة وذلك ثلث الدية المخففة وعند مالك تغلظ على الأب والأم والجد دون غيرهم واحتجا على صفة التغليظ بما روي عن عمر Bه أنه أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه حين حذفه بالسيف ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ولم يزد عليه في العدد شيئا وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأن ما أوجب التغليظ أوجبه في الأسنان دون القدر كالضمان ولا يجمع بين تغليظين لأن ما أوجبت التغليظ بالضمان إذا اجتمع سببان تداخلا كالحرم والإحرام في قتل الصيد وعلى أنه لا يغلظ بالإحرام أن الشرع لم يرد بتغليظه واحتج أصحابنا بما روى ابن أبي نجيح أن امرأة وطئت في الطواف فقضى عثمان Bه فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية ثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال : ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهذا مما يظهر وينتشر ولم ينكر فيثبت إجماعا وهذا فيه الجمع بين تغليظات ثلاث ولأنه قول التابعين القائلين بالتغليظ واحتجوا على التغليظ في العمد أنه إذا غلظ الخطأ مع العذر فيه ففي العمد أولى وكل من غلظ الدية أوجب التغليظ في بدل الطرف بهذه الأسباب لأن ما أوجب تغليظ دية النفس أوجب تغليظ دية الطرف كالعمد وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ بشيء من ذلك وهو قول الحسن و الشعبي و النخعي و أبي حنيفة و الجوزجاني و ابن المنذر وروي ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز لأن النبي A قال : وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل لم يزد على ذلك وعلى أهل الذهب ألف مثقال وفي [ حديث أبي شريح أن النبي A قال : وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلة من قتل له قتيل بعد ذلك فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبواأخذوا الدية ] وهذا قتل كان بمكة في حرم الله تعالى فلم يزد النبي A على الدية ولم يفرق بين الحر وغيره وقول الله D : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } يقتضي أن الدية واحدة في كل مكان وفي كل حال ولأن عمر Bه أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه ولم يزد على مائة وروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيى من تلك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة ونظرائهم أن ناسا كانوا يقولون : إن الدية تغلظ في الشهر الحرام أربعة آلاف فتكون ستة عشر ألف درهم فألغى عمر C ذلك بقول الفقهاء وأثبتها اثني عشر ألف درهم في الشهر الحرام والبلد الحرام وغيرهما قال ابن المنذر : وليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح فقول عمر يخالفه وقوله أولى من قول من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقته الكتاب والسنة والقياس .
فصل : ولا تغلظ الدية بموضع غير الحرم وقال أصحاب الشافعي : تغلظ الدية بالقتل في المدينة على قوله القديم لأنها مكان يحرم صيده فأشبهت الحرم وليس بصحيح لأنها ليست محلا للمناسك فأشبهت سائر البلدان ولا يصح قياسها على الحرم ل [ أن النبي A قال : أي بلد هذا ؟ أليست البلدة الحرام ؟ ـ قال ـ فإن دماءكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] وهذا يدل على أعظم البلاد حرمة و [ قال النبي A : إن أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم ورجل قتل غير قاتله ورجل قتل بدخل الجاهلية ] وتحريم الصيد ليس هو العلة في التغليظ وإن كان من جملة المؤثر فقد خالف تحريمه تحريم الحرم فإنه لا يجب الجزاء على من قتل فيه صيدا ولا يحرم الرعي فيه ولا الاحتشاش منه ولا ما يحتاج إليه من الرحل والعارض والقائمة وشبهه