مسألة وفصل مقدار دية الحر المسلم والأصل فيها الإبل .
كتاب الديات : الأصل في وجوب الدية الكتاب والسنة والإجماع : .
أما الكتاب فقول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } الآية .
وأما السنة ف [ روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن النبي A كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه : وإن في النفس مائة من الإبل ] رواه النسائي في سننه و مالك في موطئه قال ابن عبد البر : وهو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة تأتي في مواضعها من الباب إن شاء الله وأجمع أهل العلم على وجوب الدية في الجملة .
مسألة : قال أبو القاسم C : ودية الحر المسلم مائة من الإبل .
أجمع أهل العلم على أن الإبل اصل في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل وقد دلت عليه الأحاديث الواردة منها حديث عمرو بن حزم وحديث عبد الله بن عمر في دية خطأ العمد وحديث ابن مسعود في دية الخطأ وسنذكرها إن شاء الله وظاهر كلام الخرقي أن الأصل في الدية الإبل لا غير وهذا إحدى الروايتين عن أحمد C ذكر ذلك أبو الخطاب وهو قول طاوس و الشافعي و ابن المنذر وقال القاضي : لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل والذهب والورق والبقر والغنم فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها وهذا قول عمر و عطاء و طاوس وفقهاء المدينة السبعة وبه قال الثوري و ابن أبي ليلى و أبو يوسف و محمد [ لأن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله A كتب إلى أهل اليمن : وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الورق ألف دينار ] رواه النسائي .
[ وروى ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي A ديته اثني عشر ألفا ] رواه أبو داود و ابن ماجة وروى الشعبي أن عمر جعل على أهل الذهب ألف دينار .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيبا فقال : ألا أن الإبل قد غلت فقوم على أهل المذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود .
ولنا قول النبي A : [ ألا أن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل ] ولأن النبي A فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل ولأنه بدل متلف حقا لآدمي فكان متعينا كعوض الأموال وحديث ابن عباس يحتمل ان النبي A أوجب الورق بدلا عن الإبل والخلاف في كونها أصلا وحديث عمرو بن شعيب يدل على أن الأصل الإبل فإن إيجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم لغلاء الإبل ولو كانت أصولا بنفسها لم يكن إيجابها تقويما للإبل ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك ولا لذكره معنى .
وقد روي أنه كان يقوم الإبل قبل أن تغلو بثمانية آلاف درهم ولذلك قيل إن دية الذمي أربعة آلاف درهم ويدته نصف الدية فكان ذلك أربعة آلاف حين كانت الدية ثمانية آلاف درهم .
فصل : فإذا قلنا هي خمسة أصول فإن قدرها من الذهب ألف مثقال ومن الورق اثنا عشر ألف درهم ومن البقر والحلل مائتان ومن الشاة ألفان ولم يختلف القائلون بهذه الأصول في قدرها من الذهب ولا من سائرها إلا الورق فإن الثوري و أبا حنيفة و صاحبيه قالوا : قدرها عشرة آلاف من الورق وحكي ذلك عن ابن شبرمة لما روى الشعبي أن عمر جعل على أهل الورق عشرة آلاف ولأن الدينار معدول في الشرع بعشرة دارهم بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الفضة مائتان وبما ذكرناه قال الحسن و عروة و مالك و الشافعي في قول وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لما ذكرنا من حديث ابن عباس وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر ولأن الدينار معدول باثني عشر درهما بدليل أن عمر فرص الجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط دينارين أو أربعة وعشرين درهما وعلى الفقير دينارا أو اثني عشر درهما وهذا أولى مما ذكروه في نصاب الزكاة ولأنه لا يلزم أن يكون نصاب أحدهما معدولا بنصاب الآخر كما أن السائمة من بهيمة الأنعام ليس نصاب شيء منها معدولا بنصاب غيره قال ابن عبد البر : ليس مع من جعل الدية عشرة آلاف عن النبي A حديث مسند ولا مرسل وحديث الشعبي عن عمر يخالفه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه .
فصل : وعلى هذا أي شيء أحضره من عليه الدية من القاتل أو العاقلة من هذه الأصول لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزىء واحد منها فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة وكشاتي الجبران في الزكاة مع الددارهم وإن قلنا الأصل الإبل خاصة فعليه تسليمها إليه سليمة من العيوب وأيهما أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المثليات المتلفة وأن أعوزت الإبل ولم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل فله العدول إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وهذا قول الشافعي القديم وقال في الجديد : تجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت لحديث عمرو بن شعيب عن عمر في تقويم الإبل ولأن ما ضمن بنوع من المال وجبت قيمته كذوات الأمثال ولأن الإبل إذا أجزأت إذا قلت قيمتها ينبغي أن تجزىء وإن كثرت قيمتها كالدنانير إذا غلت أو رخصت وهكذا ينبغي أن نقول إذا غلت الإبل كلها فأما إن كانت الإبل موجودة بثمن مثلها إلا أن هذا لم يجدها لكونها في غير بلده ونحو ذلك فإن عمر قوم الدية من الدارهم اثني عشر ألفا وألف دينار .
فصل : وظاهركلام الخرقي أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطة وجب أخذها قلت قيمتها أو كثرت وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكر اصحابنا أن ظاهر مذهب أحمد أن تؤخذ مائة قيمة كل بعير منها مائة وعشرون درهما فإن لم يقدر على ذلك أدى اثني عشر ألف درهم أو ألف دينار لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب ألف مثقال وعلى أهل الورق اثني عشر الفا فدل على أن ذلك قيمتها ولأن هذه أبدال محل واحد فيجب أن تتساوى في القيمة كالمثل والقيمة في بدل القرض والمتلف في المثليات .
ولنا قول النبي A : [ وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل ] وهذا مطلق فتقييده يخالف إطلاقه فلم يجز إلا بدليل ولأنها تؤخذ على عهد رسول الله A وقيمتها ثمانية آلاف وقول عمر في حديثه إن الإبل قد غلت فقومها على أهل الورق اثني عشر ألفا دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك وقد كانت تؤخذ في عصر رسول الله A وابي بكر وصدر من ولاية عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين فإيجاب ذلك فيها خلاف سنة رسول الله A ولأن النبي A فرق بين دية الخطأ والعمد فغلظ دية العمد وخفف دية الخطأ وأجمع عليه أهل العلم واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وجمع بين ما فرقه الشارع وإزالة للتخفيف والتغليظ جميعأ بل هو تغليظ لدية الخطأ لأن اعتبار ابن مخاض بقيمة ثنية أو جذعة يشق جدا فيكون تغليظا للدية في الخطأ وتخفيفا لدية العمد وهذا خلاف ما قصده الشارع ورود به ولأن العادة نقص قيمة بنات المخاض عن قيمة الحقاق والجذعات فلو كانت تؤدى على عهد النبي A بقيمة واحدة ويعتبر ذلك فيها لنقل ولم يجز الإخلال به لأن ما ورد به الشرع مطلقا إنما يحمل على العرف والعادة فإذا أريد به ما يخالف العادة وجب بيانه وإيضاحه لئلا يكون تلبيسا في الشريعة وإيهامهم أن حكم الله خلاف ما هو حكمه على الحقيقة والنبي A بعص للبيان قال الله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } فكيف يحمل قوله على الإلباس والإلغاز ؟ هذا مما لا يحل ثم لو حمل الأمر على ذلك لكان الأسنان عبثا غير مفيد فإن فائدة ذلك إنما هو كون اختلاف أسنانها مظنة اختلاف القيم فأقيم مقامه ولأن الإبل أصل في الدية فلا تعتبر قيمتها بغيرها كالذهب والورق ولأنها أصل في الوجوب فلا تعتبر قيمتها كالإبل في السلم وشاة الجبران وحديث عمرو بن شعيب حجة لنا فإن الإبل كانت تؤخذ قبل أن تغلو ويقومها عمر وقيمتها أقل من اثني عشر ألفا وقد قيل إن قيمتها كانت ثمانية آلاف ولذلك قال عمر دية الكتابي أربعة آلاف وقولهم إنها إبدال محل واحد فلنا أن نمنع ونقول البدل إنما هو الإبل وغيرها معتبر بها وإن سلمنا فهو منتقض بالذهب والورق فإنه لا يعتبر تساويهما وينتقض أيضا بشاة الجبران مع الدراهم وأما بدل القرض والمتلف فإنما هو المثل خاصة والقيمة بدل عنه ولذلك لا تجب إلا عند العجز عنه بخلاف مسألتنا .
فإن قيل هذا حجة عليكم لقولكم إن الإبل هي الأصل وغيرها بدل عنها فيجب أن يساويها كالمثل والقيمة قلنا إذا ثبت لنا هذا ينبغي أن يقوم غيرها بها ولا تقوم هي بغيرها لأن البدل يتبع الأصل ولا يتبع الأصل البدل على أنا نقول : إنما صير إلى التقدير بهذا لأن عمر Bه قومها في وقته بذلك فوجب المصير إليه كيلا يؤدي التنازع والاختلاف في قيمة الإبل الواجبة كما قدر لبن المصراة بصاع من التمر نفيا للتنازع في قيمته فلا يوجب هذا أن يرد الأصل إلى التقويم فيفضي إلى عكس حكمة الشرع ووقوع التنازع في قيمة الإبل مع وجوبها بعينها على أن المعتبر في بدلي القرض مساواة المحل المقرض فاعتبر مساواة كل واحد من بدليه له والدية غير معتبرة بقيمة المتلف ولهذا لا تعتبر صفاته وهكذا قول أصحابنا في تقويم البقر والشاء والحلل يجب أن يكون مبلغ الواجب من كل صنف منها اثني عشر ألفا فتكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهما وقيمة كل شاة ستة دراهم لتساوي الأبدال كلها وكل حلة بردتان فيكون أربعمائة بردة