مسألة وفصول حكم ما لو قتل وله وليان بالغ وطفل وحكم الوارث الصغير .
مسألة : قال : وإذا قتل وله وليان بالغ وطفل أو غائب لم يقتل حتى يقدم الغائب ويبلغ الطفل .
وجملته أن ورثة القتيل إذا كان أكثر من واحد لم يجز لبعضهم استيفاء القود إلا بإذن الباقين فإن كان بعضهم غائبا انتظر قدومه ولم يجز للحاضر الاستقلال بالاستيفاء بغير خلاف علمناه وإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا فظاهر مذهب أحمد C أنه ليس لغيرهما الاستيفاء حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون وبهذا قال ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبو يوسف و إسحاق ويروى عن عمر بن عبد العزيز C وعن أحمد رواية أخرى : للكبار العقلاء استيفاؤه وبه قال حماد و مالك و الأوزاعي و الليث و أبو حنيفة لأن الحسن بن علي Bهما قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك ولأن ولاية القصاص هي استحقاق استيفائه وليس للصغير هذه الولاية .
ولنا أنه قصاص غير متحتم ثبت لجماعة معينين فلم يجز لأحدهم استيفاؤه استقلالا كما لو كان بين حاضر وغائب أو أحد بدلي النفس فلم ينفرد به بعضهم كالدية والدليل على أن للصغير والمجنون فيه حقا أربعة أمور أحدها : أنه لو كان منفردا لاستحقه ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفردا كولاية النكاح والثاني : أنه لو بلغ لاستحق ولو لم يكن مستحقا عند الموت لم يكن مستحقا بعده كالرقيق إذا عتق بعد موت أبيه والثالث : أنه لو صار الأمر إلى المال لاستحق ورثته ولو لم يكن حقا لم يرثه كسائر ما لم يستحقه فأما ابن ملجم فقد قيل إنه قتله بكفره لأنه قتل عليا مستحلا لدمه معتقدا كفره متقربا بذلك إلى الله تعالى وقيل : قتله لسعيه في الأرض بالفساد وإظهار السلاح فيكون كقاطع الطريق إذا تقل وقتله متحتم وهو إلى الإمام و الحسن هو الإمام ولذلك لم ينتظر الغائبين من الورثة ولا خلاف بيننا في وجوب انتظارهم وإن قدر أنه قتله قصاصا فقد اتفقنا على خلافه فكيف يحتج به بعضنا على بعض .
فصل : وإن كان الوارث واحدا صغيرا كصبي قتلت أمه وليست زوجة لأبيه فالقصاص له وليس لأبيه ولا غيره استيفاؤه وبهذا قال الشافعي وقال أبوحنيفة و مالك : له استيفاؤه وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس وذكر أبو الخطاب في موضع في الأب روايتين وفي موضع وجهين أحدهما : كقولنا لأن القصاص أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية .
ولنا أنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلا يملك استيفاء القصاص له كالوصي ولأن القصد التشفي ودرك الغيظ ولا يحصل ذلك باستيفاء الولي ويخالف الدية فإن الغرض يحصل باستيفاء الأب له فافترقا ولأن الدية إنما يملك استيفاءها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فإنه يجوز العفو إلى الدية والصلح على مال أكثر منها وأقل والدية بخلاف ذلك .
فصل : وكل موضع وجب تأخير الاستيفاء فإن القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون ويقدم الغائب وقد حبس معاوية هدية بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل في عصر الصحابة فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها فإن قيل : فلم لا يخلى سبيله كالمعسر بالدين ؟ قلنا : .
لأن في تخليته تضييعا للحق فإنه لا يؤمن هربه والفرق بينه وبين المعسر من وجوه أحدها أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص ههنا واجب وإنما تعذر المستوفى الثاني : أن المعسر إذا حبسناه تعذر الكسب لقضاء الدين فلا يفيد بل يضر من الجانبين وههنا الحق نفسه يفوت بالتخلية لا بالحبس الثالث : أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت نفسه جاز تفويت نفعه لإمكانه فإن قيل فلم يحبس من أجل الغائب وليس للحاكم عليه ولاية إذا كان مكلفا رشيدا ولذلك لو وجد بعض ماله مغصوبا لم يملك انتزاعه ؟ قلنا لأن في القصاص حقا للميت وللحاكم عليه ولاية ولهذا ينفذ وصاياه من الدية ويقضي ديونه منها فنظيره أن يجد الحاكم من تركة الميت في يد إنسان شيئا غصبا والوارث غائب فإنه يأخذه ولو كان القصاص لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فإن أقام القاتل كفيلا بنفسه ليخلي سبيله له لم يجز لأن الكفالة لا تصح في القصاص فإن فائدتها استيفاء الحق من الكفيل إن تعذر إحضار المكفول به ولا يمكن استيفاؤه من غير القاتل فلم تصح الكفالة به كالحد ولأن فيه تغريرا بحق المولى عليه فإنه ربما خلي سبيله فهرب فضاع الحق