مسألتان وفصل اشتراك من لا قصاص عليه مع من عليه القصاص في الجناية .
مسألة : قال : وإذا قتل الأب وغيره عمدا قتل من سوى الأب .
وبهذا قال مالك و الشافعي و أبو ثور وعن أحمد رواية أخرى لا قصاص على واحد منهما وهو قول أصحاب الرأي لأنه قتل تركب من موجب فلم يوجب كقتل العامد والخاطىء والصبي والبالغ والمجنون والعاقل .
ولنا أنه شارك في القتل العمد العدوان فيمن يقتل به لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي ولا نسلم أن فعل الأب غير موجب فإنه يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم إثما وأكثر جرما ولذلك خصه الله تعالى بالنهي عنه فقال : { ولا تقتلوا أولادكم } ثم قال : { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } [ ولما سئل النبي A عن أعظم الذنب قال : أن تجعل لله ندا وهو خلفك ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ] فجعله أعظم الذنوب بعد الشرك ولأنه قطع الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها ووضع الإساءة موضع الإحسان فهو أولى بإيجاب العقوبة ولازجر عنه وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب فلا يمتنع عمله في المحل الذي لا مانع فيه وأما شريك الخاطىء فلنا فيه منع ومع التسليم فامتناع الوجوب فيه لقصور السبب عن الإيجاب فإن فعل الخاطىء غير موجب للقصاص ولا صالح له والقتل منه ومن شريكه غير متمحض عمدا لوقوع الخطأ في الفعل الذي حصل به زهوق النفس بخلاف مسألتنا .
فصل : وكل شريكين امتنع القصاص في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب فهو في وجوب القصاص على شريكه كالأب وشريكه مثل أن يشترك مسلم وذمي في قتل عبد عمدا عدوانا فإن القصاص لا يجب على المسلم والحر ويجب على الذمي والعبد إذا قلنا بوجوبه على شريك الأب لأن امتناع القصاص عن المسلم لإسلامه وعن الحر لحريته وانتفاء مكافأة المقتول له وهذا المعنى لا يتعدى إلى فعله ولا إلى شريكه فلم يسقط القصاص عنه .
وقد نقل عبد الله بن أحمد قال : سألت أبي C عن حر وعبد قتلا عبدا عمدا قال : أما الحر فلا يقتل بالعبد وعلى الحر نصف قيمة العبد في ماله والعبد إن شاء سيده أسلمه وإلا فداه بنصف قيمة العبد وظاهر هذا أنه لا قصاص على العبد فيخرج مثل ذلك في كل قتل شارك فيه من لا يجب عليه القصاص .
مسألة : قال : وإذا اشترك في القتل صبي ومجنون وبالغ لم يقتل واحد منهم وعلى العاقل ثلث الدية في ماله وعلى عاقلة كل واحد من الصبي والمجنون ثلث الدية وعتق رقبتين في أموالهما لأن عمدهما خطأ .
أما إذا شاركوا في القتل من لا قصاص عليه لمعنى في فعله كالصبي والمجنون فالصحيح في المذهب أنه لا قصاص عليه وبهذا قال الحسن و الأوزاعي و إسحاق و أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن القود يجب على البالغ العاقل حكاها ابن المنذر عن أحمد وحكي ذلك عن مالك وهو القول الثاني لـ لشافعي وروي ذلك عن قتادة و الزهري و حماد لأن القصاص عقوبة تجب عليه جزاء لفعله فمتى كان فعله عمدا وعدوانا وجب القصاص عليه ولا ننظر إلى فعل شريكه بحال ولأنه شارك بحال ولأنه شارك في القتل عمدا وعدوانا فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي وذلك لأن الإنسان إنما يؤخذ بفعله لا بفعل غيره فعلى هذا يعتبر فعل الشريك منفردا فمتى تمحض عمدا عدوانا وكان المقتول مكافئا له وجب عليه القصاص وبنى الشافعي قوله على أن فعل الصبي والمجنون إذا تعمداه عمد لأنهما يقصدان القتل وإنما سقوط القصاص عنهما لمعنى فيهما وهو عدم التكليف فلم يقتض سقوطه عن شركيهما كالأبوة .
ولنا أنه شارك من لا مأثم عليه في فعله فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطىء ولأن الصبي والمجنون لا قصد لهما صحيح ولهذا لا يصح إقرارهما فكان حكم فعلهما حكم الخطأ وهذا معنى قول الخرقي : عمدها خطأ أي في حكم الخطأ في انتفاء القصاص عنه ومدار ديته وحمل عاقلتهما إياها ووجوب الكفارة إذا ثبت هذا فإن الدية تجب عليهم اثلاثا على كل واحد منهم ثلها لأن الدية بدل المحل ولذلك اختلفت باختلافه والمحل المتلف واحد فكانت ديته واحدة ولأنها تتقدر بقدره أما القصاص فإنما كمل في كل واحد لأنه جزاء الفعل وأفعالهم متعددة فتعدد في حقهم وكمل في حق كل واحد كما لو قذف جماعة واحدا إلا أن الثلث الواجب على المكلف يلزم في ماله حالا لأن فعله عمد والعاقلة لا تحمل العمد وما يلزم الصبي والمجنون فعلى عاقلتهما لأن عمدهما خطأ والعاقلة تحمل جناية الخطأ إذا بلغت ثلث الدية وتكون مؤجلة عاما فإن الواجب متى كان ثلث الدية كان أجله عاما ويلزم كل واحد منهما الكفارة من ماله لأن فعلهما خطأ والقاتل الخاطىء والمشارك في القتل خطأ يلزمه كفارة لأنها لا تجب بدلا عن المحل ولهذا لم تختلف وإنما وجبت تكفيرا للفعل ومحوا فوجب تكميلها كالقصاص