مسألة وفصلان إذا كان المقتول ظلما حرا مسلما ففيه القود .
مسألة : قال : ففيه القود إذا اجتمع عليه الأولياء وكان المقتول حرا مسلما .
أجمع العلماء على أن القود لا يجب إلا بالعمد ولا نعلم بينهم في وجوبه بالقتل العمد إذا اجتمعت شروطه خلافا وقد دلت عليه الآيات والأخبار بعمومها فقال الله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } وقال تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وقال تعالى : { ولكم في القصاص حياة } يريد والله أعلم أن وجوب القصاص يمنع من يريد القتل منه شفقة على نفسه من القتل فتبقى الحياة فيمن أريد قتله وقيل إن القاتل تنعقد العداوة بينه وبين قبيلة المقتول فيريد قتلهم خوفا منهم ويريدون قتله وقتل قبيلته استيفاء ففي الاقتصاص منه بحكم الشرع قطع لسبب الهلاك بين القبيلتين وقال الله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } الآية وقال النبي A : [ من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفدى ] متفق عليه .
وروى أبو شريح الخزاعي قال : قال رسول الله A : [ من أصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية ] رواه أبو داود وفي لفظ : [ فمن قتل له بعد مقالتي قتيل فأهله بين خيرتين أن يأخذوا الدية أو يقتلوا ] وقال عليه السلام : [ العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول ] وفي لفظ : [ من قتل عامدا فهو قود ] رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجة : [ من قتل عامدا فهو قود ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ] وقول الخرقي : إذا اجتمع عليه الأولياء يعني إذا كان للمقتول أولياء يستحقون القصاص فمن شرط وجوبه اجتماعهم على طلبه ولو عفا واحد منهم سقط كله وإن كان بعضهم غائبا أو غير مكلف لم يكن لشركائه القصاص حتى يقدم الغائب ويختار القصاص أو يوكل ويبلغ الصبي ويفيق المجنون ويختاراه وقولهم : إذا كان المقتول حرا مسلمأ يعني مكافئا للقاتل فإذا كان القاتل حرا مسلما اشترط كون المقتول حرا مسلما لتحقق الكافأة بينهما فإن الكافر لا يكافىء المسلم والعبد لا يكافىء الحر .
فصل : وأجمع أهل العلم على أن الحر المسلم يقاد به قاتله وإن كان مجدع الأطراف معدوم الحواس والقاتل صحيح سوي الخلق أو كان بالعكس وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر والسلطان والسوقة ونحو هذا من الصفات لم يمنع القصاص بالاتفاق وقد دلت عليه العمومات التي تلوناها و [ قول النبي A : المؤمنون تكافأ دماؤهم ] ولأن اعتبار التساوي في الصفات والفضائل يفضي إلى إسقاط القصاص بالكلية وفوات حكمة الردع والزجر فوجب أن يسقط اعتباره كالطول والقصر والسواد والبياض .
فصل : ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام بل متى قتل في دار الحرب مسلما عامدا عالما بإسلامه فعليه القود سواء كان قد هاجر أو لم يهاجر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجب القصاص بالقتل في غير دار الإسلام فإن لم يكن المقتول هاجر لم يضمنه بقصاص ولا دية عمدا قتله أو خطأ وإن كان قد هاجر ثم عاد إلى دار الحرب كرجلين مسلمين دخلا دار الحرب بأمان فقتل احدهما صاحبه فضمنه بالدية ولم يجب القود وحكي عن أحمد رواية كقوله ولو قتل رجلا أسيرا مسلما في دار الحرب لم يضمنه إلا بالدية عمدا قتله أو خطأ .
ولنا ما ذكرنا من الآيات والأخبار ولأنه قتل من يكافئه عمدا ظلما فوجب عليه القود كما لو قتله في دار الإسلام ولأن كل دار يجب فيها القصاص إذا كان فيها إمام يجب وإن لم يكن فيها إمام كدار الإسلام