مسألة وفصول كون رضاع الولد انما يجب على الأب وحده وفروع في الرضاع .
مسألة : قال : وعلى الأب أن يسترضع لولده إن أن تشاء الأم أن ترضعه بأجرة مثلها فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة .
الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : أن رضاع الولد على الأب وحده وليس له إجبار أمه على رضاعه دنيئة كانت أم شريفة سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا فأما إن كانت مع الزوج فكذلك عندنا وبه يقول الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح : له إجبارها على رضاعها وهو قول أبي ثور ورواية عن مالك لقول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } والمشهور عن مالك أنها إن كانت شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه .
ولنا قوله تعالى : { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } وإذا اختلفا فقد تعاسرا ولأن الإجبار على الرضاع لا يخلو إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما : لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به ولا يجوز أن يكون لحق الولد فإن ذلك لو كان له للزمها بعد الفرقة ولأنه مما يلزم الوالد لولده فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة ولا يجوز أن يكون لهما لأن ما لا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة والآية محمولة على حال الاتفاق وعدم التعاسر .
الفصل الثاني : إن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد وقال أصحاب الشافعي : إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من إرضاعه لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان وإن استأجرها على رضاعة لم يجز لأن المنافع حق له فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له وإن أرضعت الولد فهل لها أجر المثل ؟ على وجهين وإن كانت مطلقة وطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من ترضعه بأجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك وإن وجد متبرعة أو من ترضعه بدون أجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها وقال أبو حنيفة : إن طالبت الأجر لم يلزم الأب بذلها لها ولا يسقط حقها من الحضانة وتأتي المرضعة عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما .
ولنا على الأول ما تقدم وعلى جواز الاستئجار أنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة وقولهم إن المنافع مملوكة له غير صحيح فإنه لو ملك منفعة الحضانة لملك إجبارها عليها ولم تجز إجارة نفسها لغيره بإذنه ولكانت الأجرة له وإنما امتنعت إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الأوقات ولهذا جازت بإذنه وإذا أستأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبي وأما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا طلبت أجر مثلها على المتبرعة فقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقوله سبحانه : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولأن الأم أحنى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها كما لو طلبت الأجنبية رضاعه بأجر مثلها ولأن في رضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة وإضرارا بالولد لا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق أوجبه الله تعالى على الأب وقول أبي حنيفة يفضي إلى تفويت حق الولد من لبن أمه وتفويت الأم في إرضاعه لبنها فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ووجد الأب من ترضعه بأجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لأنها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها فدخلت في عموم قوله : { فسترضع له أخرى } وإن لم يجد مرضعة إلا بمثل تلك الأجرة فالأم أحق لأنهما تساوتا في الأجر فكانت الأم أحق كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها .
فصل : وإن طلبت ذات الزوج الأجنبي إرضاع ولدها بأجرة مثلها بإذن زوجها ثبت حقها وكانت أحق به من غيرها لأن الأم إنما منعت من الإرضاع لحق الزوج فإذا أذن فيه زال المانع فصارت كغير ذات الزوج وإن منعها الزوج سقط حقها لتعذر وصولها إلى ذلك .
فصل : وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ولأنها تستحق عليه قدر كفايتها فإذا زادت حاجتها زادت كفايتها والله أعلم