مسألة وفصول قال وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير وشروط التخيير .
مسألة : قال : وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما .
وجملته أن الغلام إذا بلغ سبعا وليس بمعتوه خير بين أبويه إذا تنازعا فيه فمن اختاره منها فهو أولى به قضى بذلك عمر وعلي و شريح وهو مذهب الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة : لا يخير لكن قال أبو حنيفة : إذا استقل بنفسه فأكل بنفسه ولبس بنفسه واستنجى بنفسه فالأب أحق به و مالك يقول : الأم أحق به حتى يتغر وأما التخيير فلا يصح لأن الغلام لا قول له ولا يعرف حظه وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته فيؤدي إلى فساده ولأنه دون البلوغ فلم يخير كمن دون السبع .
[ ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي A خير غلاما بين ابيه وأمه ] رواه سعيد بإسناده و الشافعي وفي لفظ عن أبي هريرة قال : [ جاءت امرأة إلى النبي A فقالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال له النبي A هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد ايهما شئت ] فأخذ بيد أمه فانطلقت به رواه أبو داود ولأنه إجماع الصحابة قروي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد وروي عن عمارة الجرمي أنه قال : خيرني علي بين عمي وأمي وكنت ابن سبع أو ثمان وروي نحو ذلك عن أبي هريرة وهذه قصص في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا ولأن التقديم في الحضانة يلحق به الولد فيتقدم من هو أشفق لأن حظ الولد عنده أكثر واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه ويميز بين الإكرام وضده فمال إلى أحد الأبوين دل على أنه أرفق به واشفق عليه فقدم بذلك وقيدناه بالسبع لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة ولأن الأم قدمت في حال الصغر لحاجته إلى حمله ومباشرته خدمته لأنها أعرف بذلك وأقوم به فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه لقربهما منه فرجح باختياره .
فصل : ومتى اختار أحدهما فسلم إليه ثم اختار الآخر رد إليه فإن عاد فاختار الأول أعيد إليه هكذا أبدا كلما اختار أحدهما صار إليه لأنه اختيار شهوة لحظ نفسه فاتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه في المأكول والمشروب وقد يشتهي المقام عند أحدهما في وقت وعند الآخر في وقت وقد يشتهي التسوية بينهما وأن لا ينقطع عنهما وإن خيرناه فلم يختر واحدا منهما أو اختارهما معا قدم أحدهما بالقرعة لأنه مزية لأحدهما على صاحبه ولا يمكن اجتماعهما على حضانته فقدم أحدهما بالقرعة فإذا قدم بها ثم اختار الآخر رد إليه لأننا قدمنا اختياره الثاني على الأول فعلى القرعة التي هي بدل أولى .
فصل : فإن كان الأب معدوما أو من غير أهل الحضانة وحضر غيره من العصبات كالأخ والعم وابنه قام مقام الأب فيخير الغلام بين أمه وعصبته لأن عليا Bه خير عمارة الجرمي بين أمه وعمه ولأن عصبة فأشبه الأب وكذلك إن كانت أمة معدومة أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى الجدة خير الغلام بينها وبين أبيه أو من يقوم مقامه من العصبات فإن كان الأبوان معدومين أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى امرأة كأخته أو عمته أو خالته قامت مقام أمه في التخيير بينها وبين عصباته للمعنى الذي ذكرناه في الأبوين فإن كان الأبوان رقيقين وليس له أحد من أقاربه سواهما فقال القاضي : لا حضانة لهما عليه ولا نفقة له عليهما ونفقته في بيت المال ويسلم إلى من يحضنه من المسلمين .
فصل : وإنما يخير الغلام بشرطين : أحدهما : أن يكونا جميعا من أهل الحضانة فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة كان كالمعدوم ويعين الآخر .
الثاني : أن لا يكون الغلام معتوها فإن كان معتوها كان عند الأم ولم يخير لأن المعتوه بمنزلة الطفل وإن كان كبيرا ولذلك كانت الأم بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه ولو خير الصبي فاختار أباه ثم زال عقله رد إلى الأم وبطل اختياره لأنه إنما خير حين استقل بنفسه فإذا زال استقلاله بنفسه كانت الأم أولى لأنها أشفق عليه وأقوم بمصالحه كما في حال طفوليته