مسألة وفصول فروع في الرضاع المحرم .
فصل : وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء فأرضعت به طفلا نشر الحرمة في أظهر الروايتين وهو قول ابن حامد ومذهب مالك و الثوري و الشافعي و أبي ثور و أصحاب الرأي وكل من نحفظ عنه ابن المنذر لقول الله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوطء ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال فإن كان هذا نادرا فجنسه معتاد .
والرواية الثانية : لا تنشر الحرمة لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال والأول أصح .
فصل : إذا كان لرجل خمس أمهات أولاد له منهن لبن فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة لم يصرن أمهات له وصار المولى أبا له وهذا قول ابن حامد لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات وفيه وجه آخر لا تثبت الأبوة لأنه رضاع لم يثبت الأمومة فلم يثبت الأبوة كالارتضاع بلبن الرجل والأول أصح فإن الأبوة إنما تثبت لكونه رضع من لبنه لا لكون المرضعة أما له ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وإذا قلنا بثبوت الأبوة حرمت عليه المرضعات لأنه ربيبهن وهن موطوءات أبيه وإن كان لرجل خمس بنات فأرضعن طفلا كل واحدة رضعة لم يصرف أمهات له وهل يصير الرجل جدا له وأودلاه أخوالا له وخالات ؟ على وجهين أحدهما : يصير جدا وأخوهن خالا لأنه قد كمل للمرتضع خمس رضعات من لبن بناته أو أخواته فأشبه ما لو كان من واحدة والآخر لا يثبت ذلك لأن كونه جدا فرع كون ابنته أما وكونه خالا فرع كون أخته أما ولم يثبت ذلك فلا يثبت الفرع وهذا الوجه يترجح في هذه المسألة لأن الفرعية محتققة بخلاف التي قبلها فإن قلنا : يصير أخوهن خالا لم تثبت الخؤولة في حق منهن لأنه لم يرتضع من لبن أخواتها خمس رضعات ولكن يحتمل التحريم لأنه قد اجتمع من اللبن المحرم خمس رضعات ولو كمل للطفل خمس رضعات من أمه وأخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه من كل واحدة رضعة خرج على الوجهين .
فصل : إذا كان لامرأة لبن من زوج فأرضعت طفلا ثلاث رضعات وانقطع لبنها فتزوجت آخر فصار لها منه لبن فأرضعت منه الصبي رضعتين صارت أما له بغير خلاف علمناه عند القائلين بأن الخمس محرمات ولم يصر واحد من الزوجين أبا له لأنه لم يكمل عدد الرضاع من لبنه ويحرم على الرجلين لكونه ربيبهما لا لكونه ولدهما .
مسألة : قال : ولو طلق زوجته ثلاثا وهي ترضع من لبن ولده فتزوجت بصبي مرضع فأرضعته فحرمت عليه ثم تزوجت بآخر بها ووطئها ثم طلقها أو مات عنها لم يجز أن يتزوجها الأول لأنها صارت من حلائل الأبناء لما أرضعت الصبي الذي تزوجت به .
هذه المسألة من فروع التي قبلها وهو أن المرتضع يصير ابنا للرجل الذي ثاب اللبن بوطئه فهذه المرأة لما تزوجت صبيا ثم أرضعته بلبن مطلقها صار ابنا لمطلقها فحرمت عليه لأنها أمه وبانت منه وكانت زوجة له فصارت زوجة لابن مطلقها فحرمت على الأول على التأبيد لكونها صارت من حلائل أبنائه ولو تزوجت امرأة صبيا فوجدت به عيبا ففسخت نكاحه ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي خمس رضعات حرمت على زوجها لأنها صارت من حلائل أبنائه ولو زوج الرجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها خمس رضعات انفسخ نكاحه وحرمت على سيدها على التأبيد لأنها صارت من حلائل أبنائه فإن كان الصبي حرا لم يتصور هذا الفرع لم يصح نكاحه لأن من شرط جواز نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك في الطفل فإن زوج بها كان النكاح فاسدا وإن أرضعته لم تحرم على سيدها لأنه ليس بزوج في الحقيقة .
فصل : وإذا طلق الرجل زوجته ولها منه لبن فتزوجت آخر لم يخل من خمسة أحوال أحدها أن يبقى لبن الأول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للأول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل لا نعلم فيه خلافا لأن اللبت كان للأول ولم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقي للأول والثاني : أن لا تحمل من الثاني فهو للأول سواء زاد أو لم يزد أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع الثالث : أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من أحفظ عنه وهو قول أبي حنيفة و الشافعي سواء زاد أو لم يزد انقطع أو اتصل لأن لبن الأول ينقطع بالولادة من الثاني فإن حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره الحال الرابع : أن يكون لبن الأول باقيا وزاد بالحمل من الثاني فاللبن منهما جميعا في قول أصحابنا وقال ابو حنيفة : هو للأول ما لم تلد من الثاني .
وقال الشافعي : إن لم ينته الحمل إلى حال ينزل منه اللبن فهو للأول فإن بلغ إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان : أحدهما : هو للأول والثاني : هو لهما .
ولنا أن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه وبقاء لبن يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف إليهما كما لو كان الولد منهما الحال الخامس : انقطع من الأول ثم ثاب بالحمل من الثاني فقال أبو بكر : هو منهما وهو أحد أقوال الشافعي إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن وذلك لأن اللبن كان للأول فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن لبن ثاب بسبب الحمل الثاني فكان مضافا إليهما كما لو لم ينقطع واختار أبو الخطاب أنه من الثاني وهو القول الثاني لـ لشافعي لأن لبن الأول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثاني فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الأول وقال أبو حنيفة : هو للأول ما لم تلد من الثاني وهو القول الثالث لـ لشافعي لأن الحمل لا يقتضي اللبن وإنما يخلقه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته إليه والكلام عليه قد سبق