فصلان وجوب السكنى للمبتوتة الحامل .
فصل : وإذا كانت المبتوتة حاملا وجب لها السكنى رواية واحدة ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه وإن لم تكن حاملا ففيها روايتان : .
إحداهما : لا يجب لها ذلك وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء و طاوس و الحسن و عمرو بن ميمون وعكرمة و إسحاق و أبو ثور و داود .
والثانية : يجب لها ذلك وهو قول ابن مسعود وابن عمر وعائشة و سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وأبي بكر ابن عبد الرحمن وخارجة بن زيد سليمان بن يسار و مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وقال تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فأوجب لها السكنى مطلقا ثم خص الحامل بالإنفاق عليها .
[ ولنا روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال : والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله A فذكرت ذلك له فقال لها : ليس لك عليه نفقة ولا سكنى فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ـ ثم قال ـ إن تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ] متفق عليه فإن قيل فقد أنكرعليها عمر وقال : ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت وقال عروة : لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب وقال إنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها وقال سعيد بن المسيب : تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى قلنا أما مخالفة الكتاب فإن فاطمة لما أنكروا عليها قالت : بيني وبينكم كتاب لله قال الله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } فأي أمر يحدث بعد الثلاث فكيف تقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا فعلام تحبسونها فكيف تحبس امرأة بغير نفقة ؟ وأما قولهم : إن عمر قال لا ندع كتاب ربنا فقد أنكر أحمد هذا القول عن عمر قال : ولكنه قال لا نجيز في ديننا قول امرأة وهذا مجمع على خلافه وقد أخذنا بخبر فريعة وهي امرأة وبرواية عائشة وأزواج رسول الله A في كثير من الأحكام وصار أهل العلم إلى خبر فاطمة هذا في كثير من الأحكام مثل سقوط نفقة المبتوتة إذا لم تكن حاملا ونظر المرأة إلى الرجال وخطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن سكنت إلى الأول .
وأما تأويل من تأول حديثها فليس بشيء فإنها تخالفهم في ذلك وهي أعلم بحالها ولم يتفق المتأولون على شيء وقد رد على من رد عليها فقال ميمون بن مهران لـ سعيد بن المسيب لما قال : تلك امرأة فتنت الناس : لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله A ما فتنت الناس وإن لنا في رسول الله A أسوة حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث [ وقول عائشة إنها كانت في مكان وحش لا يصح فإن النبي A علل ذلك فقال : يا ابنة آل قيس إنما السكنى والنفقة ما كان لزوجك عليك الرجعة ] هكذا رواه الحميدي و الأثرم ولأنه لو صح ما قالته عائشة أو غيرها من التأويل ما احتاج عمر في رده إلا أن يعتذر بأنه قول امرأة ثم فاطمة صاحبة القصة وهي أعرف بنفسها وبحالها وقد أنكرت على من أنكر عليها وردت على من رد خبرها أو تأوله بخلاف ظاهره فيجب تقديم قولها لمعرفتها بنفسها وموافقتها ظاهر الخبر كما في سار ما هذا سبيله .
فصل : قال أصحابنا ولا يتعين الموضع الذي تسكنه في الطلاق سواء قلنا لها السكنى أو لم نقل بل يتخير الزوج بين إقرارها في الموضع الذي طلقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها والمستحب إقرارها لقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ولأن فيه خروجا من الخلاف فإن الذين ذكرنا عنهم أن لها السكنى يرون وجوب الاعتداد عليها في منزلها فإن كانت في بيت يملك الزوج سكناه ويصلح لمثلها اعتدت فيه فإن ضاق عنهما انتقل عنها وتركه لها لأنه يستحب سكناها في الموضع الذي طلقها فيه وإن اتسع الموضع لهما وفي الدار موضع لها منفرد كالحجرة أو علو الدار أو سفلها وبينهما باب مغلق سكنت فيه وسكن الزوج في الباقي لأنهما كالحجرتين المتجاورتين وإن لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تتستر فيه بحيث لا يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز لأن مع المحرم يؤمن الفساد ويكره في الجملة لأنه لا يؤمن النظر وإن لم يكن معها محرم لم يجز لقول النبي A : [ لا يخلون رجل بامراة ليست له بمحرم فإن ثالثهما الشيطان ] وإن امتنع من إسكانها وكانت ممن لها عليه السكنى أجبره الحاكم فإن كان الحاكم معدوما رجعت على الزوج وإن كان الحاكم موجودا فهل ترجع ؟ على روايتين وإن كان الزوج حاضرا ولم يمنعها من السكن فاكترت لنفسها موضعا أو سكنت في موضع تملكه لم ترجع بالأجرة لأنها تبرعت بذلك فلم ترجع به على أحد وإن عجز الزوج عن إسكانها لعسرته أو غيبته أو امتنع من ذلك مع قدرته سكنت حيث شاءت وكذلك المتوفى عنها زوجها إذا لم يسكنها ورثته لأنه إنما تلزمها السكنى في منزله لتحصين مائه فإذا لم تفعل لم يلزمها ذلك