فصلان حكم قدوم المفقود الغائب وقد تزوجت امرأته .
فصل : فإن قدم زوجها الأول قبل أن تتزوج فهي امرأته وقال بعض أصحاب الشافعي : إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الأول والذي ذكرنا أولى لأننا إنما أبحنا لها التزويج لأن الظاهر موته فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته ثم بان حيا ولأنه أحد الملكين فأشبه ملك المال فأما إن قدم بعد أن تزوجت نظرنا فإن كان قبل دخول الثاني بها فهي زوجة الأول ترد إليه ولا شيء قال أحمد : أما قبل الدخول فهي امرأته وإنما التخيير بعد الدخول وهذا قول الحسن و عطاء و خلاس ابن عمرو و النخعي و قتادة و مالك و إسحاق وقال القاضي : فيه رواية أخرى أنه يخير وأخذه من عموم قول أحمد : إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين الصداق وبين امرأته والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على خاصه في رواية الأثرم وأنه لا تخيير إلا بعد الدخول فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن النكاح إنما يصح في الظاهر دون الباطن فإذا قدم تبينا ان النكاح كان باطلا لأنه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلا كما لو شهدت بينة بموته وليس عليه صداق لأنه نكاح فاسد لم يتصل به دخول ويعود الزوج بالعقد الأول كما لو لم تتزوج وإن قدم بعد دخول الثاني بها خير الأول بين أخذها فتكون زوجته بالعقد الأول وبين أخذ صداقها وتكون زوجة الثاني وهذا قول مالك لإجماع الصحابة عليه فروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قالا : إن جاء زوجها الأول خير بين المرأة وبين الصداق الذي ساق هو رواه الجوزجاني و الأثرم وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وقال عي ذلك في الحديث الذي رويناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد الأول والمنصوص عن أحمد أنه لا يحتاج الثاني إلى طلاق لأن نكاحه كان باطلا في الباطن وقال القاضي : قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق لأن هذا نكاح مختلف في صحته فكام مأمورا بالطلاق ليقطع حكم العقد الثاني كسائر الأنكحة الفاسدة ويجب على الأول اعتزالها حتى تقضي عدتها من الثاني وإن لم يخترها الأول فإنها تكون مع الثاني ولم يذكروا لها عقدا جديدا والصحيح أنه يجب أن يستأنف لها عقدا لأننا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول ويحمل قول الصحابة على هذا لقيام الدليل عليه فإن زوجه الإنسان لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها وقال أبو الخطاب : القياس أننا إن حكمنا بالفرقة ظاهرا وباطنا فهي امرأة الثاني ولا خيار للأول لأنها بانت منه بفرقة الحاكم فأشبه ما لو فسخ نكاحها لعسرته وإن لم نحكم بفرقته باطنا فهي امرأة الأول ولا خيار له .
فصل : ومتى اختار الأول تركها فإنه يرجع على الثاني بصداقها لقضاء الصحابة بذلك ولأنه حال بينه وبينها بعقده عليها دخوله بها واختلف عن أحمد فيما يرجع به فروي عنه أنه يرجع بالصداق الذي أصدقها هو وهو اختيار أبي بكر وقول الحسن و الزهري و قتادة وعلي بن المديني لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينهما وبين الصداق الذي ساق هو ولأنه أتلف عليه المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا عن الشهادة فعلى هذا إن كان لم يدفع إليها الصداق لم يرجع بشيء وإن كان قد دفع بعضه رجع بما دفع ويحتمل أن يرجع عليه بالصداق وترجع المرأة بما بقي عليه من صداقها وعن أحمد أنه يرجع عليه بالمهر الذي أصدقها الثاني لأن إتلاف البضع من جهته والرجوع عليه بقيمته والبضع لا يتقوم إلا على زوج أو من جرى مجراه فيجب الرجوع عليه بالمسمى الثاني دون الأول وهل يرجع الزوج الثاني على الزوجة بما أخذ منه ؟ فيه روايتان ذكر ذلك أبو عبد الله بن حامد إحداهما : يرجع به لأنها غرامة لزمت الزوج بسبب وطئه لها فرجع بها كالمغرور والثانية : لا يرجع بها وهو أظهر لأن الصحابة لم يقضوا بالرجوع فإن سعيد بن المسيب روى أن عمر وعثمان قضيا في المرأة التي لا تدري ما مهلك زوجها ؟ أن تربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج إن بدا لها فإن جاء زوجها خير إما امرأته وإما الصداق فإن اختار الصداق فالصداق على زوجها الآخر وتثبت عنده وإن اختار امرأته عزلت عن زوجها الآخر حتى تنقضي عدتها وإن قدم زوجها وقد توفي زوجها الآخر ورثت واعتدت عدة المتوفى عنها وترجع إلى الأول رواه الجوزجاني ولأن المرأة لا تغرير منها فلم يرجع عليها بشيء كغيرها فإن قلنا : يرجع عليها فإن كان قد دفع إليها الصداق رجع به وإن كان لم يدفعه إليها دفعه إلى الأول ولم يرجع عليها بشيء وإن كان قد دفع بعضه رجع بما دفع وإن قلنا لا يرجع عليها وكان قد دفع إليها الصداق لم يرجع به وإن لم يكن دفعه إليها لزمه دفعه ويدفع إلى الأول صداقا آخر