مسألة وفصول بيان أقصى مدة الحمل واتيان زوجة الصغير الذي لا يولد لمثله .
مسألة : قال : ولو طلقها أو مات عنها فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد وانقضت عدتها به .
ظاهر المذهب أن أقصى مدة الحمل أربع سنين به قال الشافعي وهو المشهور عن مالك وروي عن أحمد أن أقصى مدته سنتان وروي ذلك عن عائشة وهو مذهب الثوري و أبي حنيفة لما روت جميلة بنت سعد عن عائشة : لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل ولأن التقدير إنما يعلم بتوقيف أو اتفاق ولا توقيف ههنا ولا اتفاق إنما هو على ما ذكرنا وقد وجد ذلك فإن الضحاك بن مزاحم وهرم بن حيان حملت أم كل واحد منهما به سنتين وقال الليث : أقصاه ثلاث سنين حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين وقال عباد بن العوام خمس سنين وعن الزهري قال : قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين وقال أبو عبيد : ليس لأقصاه وقت يوقف عليه .
ولنا أن ما لا نص فيه يرجع إلى الوجود وقد وجد الحمل لأربع سنين فروى الوليد بن مسلم قال : قلت لـ مالك بن أنس حديث جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل قال مالك : سبحان الله من يقول هذا ؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد وقال الشافعي : بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين وقال أحمد : نساء بني عجلان يحملن أربع سنين وامرأة عجلان حملت ثلاث بطون كل دفعة أربع سنين وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي حكى ذلك أبو الخطاب وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لأنه ما وجد ولأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا أنه غاية الحمل وروي ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما إذ ثبت هذا فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء ولا بوضع الحمل فإن الولد لاحق بالزوج وعدتها منقضية به .
فصل : وإن أتت بالولد لأربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلان أو فسخ أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم يلحقه ولدها لأننا نعلم أنها علقت به بعد زوال النكاح والبينونة منه وكونها قد صارت منه أجنبية فأشبهت سار الأجنبيات ومفهوم كلام الخرقي أن عدتها لا تنقضي به لأنه لا ينتفي عنه بغير لعان فلم تنقض عدتها منه بوضعه كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر منذ نكحها قال أبو الخطاب : هل تنقضي به العدة ؟ على وجهين .
وذكر القاضي أن عدتها تنقضي به وهو مذهب الشافعي لأنه ولد يمكن أن يكون منه بعد نكاحه بأن يكون قد وطئها بشبهة أو جدد نكاحها فوجب أن تنقضي به العدة وإن لم يلحق به كالولد المنفي باللعان وبهذا فارق الذي أتت به لأقل من ستة أشهر فإنه ينتفي يقينا ثم ناقضوا قولهم فقالوا لو تزوجت في عدتها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين دخل بها الثاني ولأكثر من أربع سنين من حين بانت من الأول فالولد منتف عنهما ولا تنقضي عدتها بوضعه عن واحد منهما وهذا أصح فإن احتمال كونه منه لم يكف في إثبات نسب الولد منه مع أنه يثبت بمجرد الإمكان فلأن لا يكفي في انقضاء العدة أولى وأحرى وما ذكروه منتقض بما سلموه وما ذكروه من الفرق بين هذا وبين الذي أتت به لأقل من ستة أشهر غير صحيح فإنه يحتمل أن يكون أصابها قبل نكاحها بشبهة أو بنكاح غير هذا النكاح الذي أتت بالولد فيه فاستويا .
وأما المنفي باللعان فإنا نفينا الولد عن الزوج بالنسبة إليه ونفينا حكمه في كونه منه بالنسبة إليها حتى أوجبنا الحد على قاذفها وقاذف ولدها وانقضاء عدتها من الأحكام المتعلقة بها دونه فثبتت .
فصل : وإن أقرت المرأة بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا من بعد انقضائها لم يحلق نسبه بالزوج وبه قال أبو حنيفة و ابن سريج وقال مالك و الشافعي : يلحق به وما لم تتزوج و يبلغ أربع سنين وكلام لخرقي يحتمل ذلك فإنه أطلق قوله إذا أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد وذلك لأنه ولد يمكن كونه منه وليس معه من هو أولى منه ولا من يساويه فوجب أن يلحق به كما لو أتت به بعد عقد النكاح .
ولنا أنها أتت به بعد الحكم بقضاء عدتها وحل النكاح لها بمدة الحمل فلم يلحق به كما لو أتت به بعد انقضاء عدتها بوضع حملها لمدة الحمل وإنما يعتبر الإمكان مع بقاء النكاح أو آثاره وقد زال ذلك وإن انقضت عدتها بالشهور ثم أتت بولد لدون أربع سنين لحقه نسبه لأنها إن كانت تدعي الإياس تبينا كذبها فإن من تحمل ليست بآيسة وإن كانت من اللائي لم يحضن أو متوفى عنها لحقه ولدها لأنه لم يوجد في حقها ما ينافي كونها حاملا .
فصل : وإذا مات الصغير الذي لا يولد لمثله عن زوجته فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض العدة بوضعه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : إن مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع فإن ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به .
وقد روي عن احمد في الصبي مثل قول ابي حنيفة وذكره ابن أبي موسى قال أبو الخطاب وفيه بعد وهكذا الخلاف فيما إذا تزوج بإمرأة ودخل بها وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين عقد النكاح فإنها لا تعتد بوضعه عندنا وعنده تعتد به واحتج بقوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .
ولنا أن هذا حمل منفي عنه يقينا فلم تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته والآية واردة في المطلقات ثم هي مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه إذا ثبت هذا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطء الذي علقت به منه سواء كان هذا الولد ملحقا بغير الصغير مثل ان يكون من عقد فاسد أو وطء شبهة أو كان من زنا لا يلحق بأحد لأن العدة تجب من كل وطء فإذا وضعته اعتدت من الصبي بأربعة أشهر وعشر لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان وإن كانت الفرقة في الحياة بعد الدخول كزوجة كبير دخل بها ثم طلقها وأتت بولد لودن ستة أشهر منذ تزوجها فإنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض عدتها بوضعه وتنقضي به عدة الوطء ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الطلاق أو عدة الوفاة على ما بيناه وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن الولد يلحق به لأنه قد يتصور منه الإنزال بأن يحك موضع ذكره بفرجها فينزل فعلى هذا القول يلحق به الولد وتنقضي به العدة والصحيح أن هذا لا يلحق به ولد لأنه لم تجر به عادة فلا يلحق به ولدها كالصبي الذي لم يبلغ عشر سنين ولو تزوج امرأة في مجلس الحاكم ثم طلقها في المجلس أو تزوج المشرقي بالمغربية ثم أتت بولد لا يمكن أن يكون منه بعد اجتماعهما بمدة الحمل فإنه لا يلحقه نسبه ولا تنقضي العدة بوضعه