فصول وجوب اللعان في جميع أنواع القذف .
فصل : ولو قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا يا زانية فنقل مهنا قال : سألت أحمد عن رجل قال لامرأته أنت طالق يا زانية ثلاثا فقال : يلاعن قلت : إنهم يقولون يحد ولا يلزمها إلا واحدة قال : بئس ما يقولون فهذا يلاعن لأنه قذفها قبل الحكم ببينونتها فأشبه قذف الرجعية .
وأما في المسألة الأولى فإن كان بينهما ولد فإنه يلاعن لنفيه وإلا حد ولم يلاعن لأنه يتعين إضافة القذف إلى حال الزوجية لاستحالة الزنا منها بعد طلاقه لها فصار كأنه قال لها بعد إبانتها : زنيت إذ كنت زوجتي على ما قررناه .
الفصل الثالث : إن كل قذف للزوجة يجب به اللعان سواء قال لها زنيت أو رأيتك تزنين سواء كان القذف أعمى أو بصيرا نص عليه أحمد وبهذا قال الثوري و الشافعي و أبو عبيد و ابو ثور وهو قول عطاء .
وقال يحيى الأنصاري وأبو زناد و مالك : لا يكون اللعان إلا بأحد أمرين : إما رؤية وإما إنكار للحمل لأن آية اللعان نزلت في هلال بن أمية وكان قال : رأيت بعيني وسمعت باذني فلا يثبت اللعان إلا في مثله .
ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم } الآية وهذا رام لزوجته فيدخل في عموم الآية ولأن اللعان معنى يتخلص به من موجب القذف فيشرع في حق كل رام لزوجته كالبينة والأخذ بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب ثم لم يعملوا به في قوله وسمعت بأذني وسواء قذفها بزنا في القبل أو في الدبر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يثبت اللعان بالقذف بالوطء في الدبر وبناه على أصله في ان ذلك لا يجب به الحد .
ولنا أنه رام لزوجته بوطء في فرجها فأشبه ما لو قذفها بالوطء في قبلها وأما إن قذفها بالوطء دون الفرج أو بشيء من الفواحش غير الزنا فلا حد عليه ولا لعان لأنه قذفها بما لا يجب به الحد فلم يثبت به الحد واللعان كما لو قذفها بضرب الناس وأذاهم .
الفصل الرابع : أنه إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد وحكم بفسقه ورد شهادته إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن فإن لم يأت بأربعة شهداء أو امتنع من اللعان لزمه ذلك كله وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة يجب اللعان دون الحد فإن أبى حبس حتى يلاعن لأن الله تعالى قال : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات } الآيات فلم يوجب بقذف الأزواج إلا اللعان .
ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } وهذا عام في الزوج وغيره وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه وأيضا [ قول النبي A : البينة ولا حد في ظهرك ] وقوله لما لاعن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه فلزمه إذ لم يأت بالبينة المشروعة كالأجنبي فأما إن قذف غيرها كالكتابية والأمة والمجنونة والطفلة فإنه يجب عليه التعزير بذلك لأنه أدخل عليهن المعرة بالقذف ولا يحد لهن حدا كاملا لنقصانهن بذلك ولا يتعلق به فسق ولا رد شهادة لأنه لا يوجب الحد قال القاضي : وليس له إسقاط هذا التعزير باللعان لأن اللعان إما لنفي النسب أو لدرء الحد وليس ههنا واحد منهما وقال الشافعي : له إسقاطه باللعان لأنه إذا ملك إسقاط الحد الكامل باللعان فإسقاط ما دونه أولى وللقاضي أن يقول : لا يلزم من مسروعيته لدفع الحد الذي يعظم ضرره مشروعيته لدفع ما يقل ضرره كما لو قذف طفلة لا يتصور وطؤها فإنه يعزر تعزير السب والأذى وليس له إسقاطه باللعان كذا ههنا وأما إن كان لأحد هؤلاء ولد يريد نفيه فقال القاضي : له أن يلاعن لنفيه وهذا قول الشافعي وهو ظاهر كلام أحمد في الأمة والكتابية سواء كان لهما ولد أو لم يكن وقد ذكرنا ذلك فيما مضى