مسائل وفصول : بيان الكفارة الواجبة في الظهار وصفتها .
مسألة : قال : والكفارة عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة بالعمل .
في هذه المسألة ثلاث مسائل : .
المسألة الأولى : أن كفارة المظاهر القادر على الاعتاق عتق رقبة لا يجزئه غير ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم والأصل في ذلك قول الله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } - إلى قوله - { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } و [ قول النبي A لأوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته : يعتق رقبة قلت لا يجد قال : فيصوم ] وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك فمن وجد رقبة يستغني عنها أو وجد ثمنها فاضلا عن حاجته ووجدها به لم يجزئه إلا الاعتاق لأن وجود المبدل إذا منع الانتقال إلى البدل كانت القدرة على ثمنه تمنع الانتقال كالماء وثمنه يمنع الانتقال إلى التيمم .
المسألة الثانية : أنه لا يجزئه إلا عتق رقبة مؤمنة في كفارة الظهار وسائر الكفارات هذا ظاهر المذهب وهو قول الحسن و مالك و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد وعن أحمد رواية ثانية أنه يجزئ فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء و النخعي و الثوري و أبي ثور وأصحاب الرأي و ابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في هذه الكفارة فوجب أن يجزئ ما تناوله الاطلاق .
ولنا ما [ روى معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية فأتيت النبي A فقلت علي رقبة فأعتقها ؟ فقال لها رسول الله A : أين الله ؟ فقالت في السماء فقال : من أنا ؟ فقالت أنت رسول الله A فقال A : أعتقها فإنها مؤمنة ] أخرجه مسلم و النسائي فعلل جواز إعتاقها عن الرقبة التي عليه بأنها مؤمنة فدل على أنه لا يجزئ عن الرقبة التي عليه إلا مؤمنة ولأنه تكفير بعتق فلم يجز إلا مؤمنة ككفارة القتل والمطلق يحمل على المقيد من جهة القياس إذا وجد المعنى فيه ولا بد من تقييده فإنا أجمعنا على أنه لا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا فالتقييد بالسلامة من الكفر أولى .
المسألة الثالثة : أنه لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا لأن المقصود تمليك العبد منافعه ويمكنه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا فلا يجزئ الأعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ولا المقعد ولا المقطوع اليدين أو الرجلين لأن اليدين آلة البطش فلا يمكنه العمل مع فقدهما والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما والشلل كالقطع في هذا ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا كله قال مالك و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود أنه جوز كل رقبة يقع عليها الاسم أخذا باطلاق اللفظ .
ولنا أن هذا نوع كفارة فلم يجزئ ما يقع عليه الاسم كالاطعام فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوسا ولا عفنا وإن كان يسمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه .
فصل : ولا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلها ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك وإن قطعت كل واحدة من يد جاز لأن نفع الكفين باق وقطع أنملة الأبهام كقطع جميعها فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين وإن كان من غير الإبهام لم يمنع لأن منفعتها لا تذهب فإنها تصير كالأصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الأبهام قد قطعت من كل واحدة منها أنملة لم يمنع وإن قطع من الأصبع أنملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا جميعه مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : يجزئ مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا من خلاف أجزأت لأن منفعة الجنس باقية فأجزأت في الكفارة كالأعور فأما إن قطعتا من وفاق أي من جانب واحد لم يجزئ لأن منفعة المشي تذهب .
ولنا أن هذا يؤثر في العمل ويضر ضررا بينا فوجب أن يمنع اجزاءها كما لو قطعتا من وفاق ويختلف العور فإنه لا يضر ضررا بينا والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل وإن كان عرجا كثيرا لا يمنع الأخرى لأنه قليل الضرر .
فصل : ويجزئ الأعور في قولهم جميعا وقال أبو بكر فيه قول آخر : لا يجزئ لأنه نقص يمنع التضحية والاجزاء في الهدي فأشبه العمى والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تكميل الأحكام وتمليك العبد المنافع والعور لا يمنع ذلك ولأنه لا يضر بالعمل فأشبه قطع إحدى الأذنين ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما وأما الأضحية والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين وذهاب العضو المستطاب ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ويجزئ المقطوع الأذنين وبذلك قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك و زفر لا يجزئ لأنهما عضوان فيهما الديه أشبها اليدين .
ولنا أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين فلم يمنع كنقص السمع بخلاف قطع اليدين ويجزئ مقطوع الأنف لذلك ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة ويجزئ الأخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالإشارة وهذا مذهب الشافعي و أبي ثور وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل وهذا المنصوص عليه عن أحمد لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرا من الأحكام مثل القضاء والشهادة وأكثر الناس لا يفهم إشارته فيتضرر في ترك استعماله وإن اجتمع الخرس والصمم فقال القاضي : لا يجزئ وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه وذهاب منفعتي الجنس ووجه الاجزاء ان الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ في العتق كالذي ذهب شمه فأما الذي ذهب شمه فيجزئ لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره .
فأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة وإن كان غير مرجو الزوال كالسل ونحوه لم يجزئ لأن زواله يندر ولا يتمكن من العمل مع بقائه وأما نضو الخلق فإن كان يتمكن معه من العمل أجزأ وإلا فلا ويجزئ الأحمق وهو الذي يخطئ على بصير ويصنع الأشياء لغير فائدة ويرى الخطأ صوابا ومن يخنق في الأحيان والخصي والمجبوب والرتقاء والكبير الذي يقدر على العمل لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه فيحصل الاجزاء به كالسالم من العيوب .
فصل : ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده إذا قلنا بصحة عتقهم وعتق المدبر والخصي وولد الزنا لكمال العتق فيهم .
فصل : ولا يجزئ عتق المغصوب لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه ولا غائب غيبة منقطعة لا يعلم خبره لأنه لا يعلم حياته فلا يعلم صحة عتقه وإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق الحمل لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ولذلك لم تجب فطرته ولا يتيقن أيضا وجوده وحياته ولا عتق أم الولد لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة والملك فيها غير كامل ولهذا لا يجوز بيعها وقال طاوس و البتي : يجزئ عتقها لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئا وسنذكر هذا في الكفارات إن شاء الله تعالى