مسألة وفصلان : فيئة من له عذر بمنع الوطء .
مسألة : قال : أو يكون له عذر من مرض أو إحرام أو شيء لا يمكن معه الجماع فيقول متى قدرت جامعتها فيكون ذلك من قوله فيئة للعذر .
وجملة ذلك أنه إذا مضت المدة وبالمولي عذر يمنع الوطء من مرض أو حبس بغير حق أو غيره لزمه أن يفيء بلسانه فيقول متى قدرت جامعتها ونحو هذا وممن قال يفيء بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن زيد و النخعي و الحسن و الزهري و الثوري و الأوزاعي و عكرمة و أبو عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن جبير : لا يكون الفيء إلا بالجماع في حال العذر وغيره وقال أبو ثور : إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لأن الضرر بترك الوطء لا يزول بالقول وقال بعض الشافعية : يحتاج أن يقول قد ندمت على ما فعلت وإن قدرت وطئت .
ولنا أن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتى به من الاعتذار والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل أن إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها يقوم مقام طلبها في الحضور في إثباتها ولا يحتاج أن يقول ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وحكى أبو الخطاب عن القاضي أن فيئة المعذور أن يقول فئت إليك وهو قول الثوري و أبي عبيد وأصحاب الرأي والذي ذكر القاضي في المجرد مثل ما ذكر الخرقي وهو أحسن لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الاضرار وفيه نوع من الاعتذار واخبار بإزالته للضرر عند إمكانه ولا يحصل بقوله فئت إليك شيء من هذا فأما العاجز لجب أو شلل ففيئته أن يقول لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بإيلائه .
فصل : والاحرام كالمرض في ظاهر قول الخرقي وكذلك على قياسه الاعتكاف المنذور والظهار وذكر أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنعه الوطء لا يمهل من أجله وهو مذهب الشافعي لأن الامتناع بسبب منه فلا يسقط حكما واجبا عليه فعلى هذا لا يؤمر بالوطء لأنه محرم عليه ولكن يؤمر بالطلاق ووجه القول الأول أنه عاجز عن الوطء بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض فأما المظاهر فيقال له إما أن تكفر وتفيء وإما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وإنما يقصد المدافعة والتأخير لم يمهل لأن الحق حال عليه وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة وإن لم يعلم ذلك أمهل ثلاثة أيام لأنها قريبة ولا يزاد على ذلك وإن كان فرضه الصيام فطلب الامهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لأنه كثير ويتخرج أن يفيء بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى يصوم كقولنا في المحرم فإن وطئها فقد عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه منه لأن هذا الوطء محرم عليها .
وقال القاضي : يلزمها التمكين وإن امتنعت سقط حقها لأن حقها في الوطء وقد بذله لها ومتى وطئها فقد وفاها حقها والتحريم عليه دونها .
ولنا أنه وطء حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطء في الحيض والنفاس وهذا ينقض دليلهم ولا نسلم كون التحريم عليه دونها فإن الوطء متى حرم على أحدهما حرم على الآخر لكونه فعلا واحدا ولو جاز اختصاص أحدهما بالتحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطء في الحيض والنفاس وإحرامها وصيامها لاختصاصها بسببه .
فصل : وإن انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكن أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء ما عليه فإن لم يفعل أمر بالطلاق وإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور وإن انقضت وهو غائب والطريق آمن فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه فإن لم يفعل أخذ بالطلاق وإن كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور .
فصل : فإن كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لأنه لا يصح للخطاب ولا يصح منه الجواب وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ وإن كان مجبوبا وقلنا يصح إيلاؤه فاء فيئة المعذور فيقول لو قدرت جامعتها .
فصل : وإذا انقضت المدة فادعى انه عاجز عن الوطء فإذا كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه العنة كما لم تسمع دعواها عليه ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره وإن لم يكن وطئها ولم تكن حاله معروفة فقال القاضي : تسمع دعواه ويقبل قوله لأن التعنين من العيوب التي لا يقف عليها غيره وهذا ظاهر نص الشافعي ولها أن تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة بعد أن يفيء فيئة أهل الأعذار .
وفيه وجه آخر انه لا يقبل قوله لأنه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والأصل سلامته منه وإن ادعت انه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته والقول قوله في عدم الإصابة