فصول : أحكام وطء المولى امرأته وعفوها عن المطالبة .
فصل : وإن وطئ العاقل ناسيا ليمينه فهل يحنث ؟ على روايتين فإن قلنا يحنث انحل إيلاؤه وذهبت يمينه وإن قلنا لا يحنث فهل ينحل إيلاؤه ؟ على وجهين قياسا على المجنون وكذلك يخرج فيما إذا آلى من إحدى زوجتيه ثم وجدها على فراشه فظنها الأخرى فوطئها لأنه جاهل بها والجاهل كالناسي في الحنث وكذلك إن ظنها أجنبية فبانت زوجته .
وإن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه ولأن القلم مرفوع عنه وهل يخرج من حكم الإيلاء يحتمل وجهين : .
أحدهما : يخرج لأن المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ .
والثاني : لا يخرج من حكم الإيلاء لأنه ما وفاها حقها وهو باق على الامتناع من الوطء بحكم اليمين فكان موليا كما لو لم يفعل به ذلك والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لأنه لا يحنث به .
فصل : وإن وطئها وطأ محرما مثل أن وطئها حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوم فرض أو كان محرما أو صائما أو مظاهرا حنث وخرج من الإيلاء وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر : قياس المذهب أن لا يخرج من الإيلاء لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الإيلاء كالوطء في الدبر ولا يصح هذا لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطء بحكم اليمين فلم يبق الإيلاء كما لو كفر يمينه أو كما لو وطئها مريضة .
وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه أنه لا يبقى موليا لعدم حكم اليمين مع انه ما وفاها حقها فلأن يزول بزوال اليمين بحنثه فيها أولى وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر انهما إذا وطئا فقد وفياها حقها وفارق الوطء في الدبر فإنه لا يحنث به وليس بمحل للوطء بخلاف مسألتنا .
فصل : وإذا آلى منها وثم عذر يمنع الوطء من جهة الزوج كمرضه أو حبسه أو إحرامه أو صيامه حسبت عليه المدة من حين إيلائه لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها ولذلك لو أمكنته من نفسها وكان ممتنعا لعذر وجبت لها النفقة وإن طرأ شيء من هذه الأعذار بعد الإيلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذي ذكرناه وإن كان المانع من جهتها نظرنا فإن كان حيضا لم يمنع ضرب المدة لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخرو منه شهر فيؤدي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء وإن طرأ الحيض لم يقطع المدة لما ذكرنا وفي النفاس وجهان أحدهما : هو كالحيض لأن أحكامه أحكام الحيض .
والثاني : هو كسائر الأعذار التي من جهتها لأنه نادر غير معتاد فأشبه سار الأعذار وأما سائر الأعذار التي من جهتها كصغرها ومرضها وحبسها وإحرامها وصيامها واعتكافها المفروضين ونشوزها وغيبتها فمتى وجد منها شيء حال الإيلاء لم تضرب له المدة حتى يزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها وإن وجد شيء من هذه الأسباب استؤنفت المدة ولم يبن على ما مضى لأن قوله سبحانه : { تربص أربعة أشهر } يقتضي متوالية فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة وإن حنث وهربت من يده انقطعت المدة وإن بقيت في يده وأمكنه وطؤها احتسب عليه بها فإن قيل فهذه الأسباب منها ما لا صنع لها فيه فلا ينبغي أن تقطع المدة كالحيض قلنا إذا كان المنع لمعنى فيها فلا فرق بين كونه بفعلها أو بغير فعلها كما أن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود عليه لم يتوجه له المطالبة بعوضه سواء كان لعذر أو غيره عذر وإن آلى في الردة لم تضرب له المدة إلا من حين رجوع المرتد منهما إلى الإسلام وإن طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لأن النكاح قد تشعث وحرم الوطء فإذا عاد إلى الإسلام استؤنفت المدة سواء كانت الردة منهما أو من أحدهما وكذلك إن أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم تزوجها والله أعلم .
فصل : وإذا انقضت المدة فلها المطالبة بالفيئة إن لم يكن عذر فإن طالبته فطلب الامهال فإن لم يكن له عذر لم يمهل لأنه حق توجه عليه لا عذر له فيه فلم يمهل به كالدين الحال ولأن الله تعالى جعل المدة أربعة أشهر فلا تجوز الزيادة عليها بغير عذر وإنما يؤخر قدر ما يتمكن من الجماع في حكم العادة فإنه لا يلزمه الوطئ في مجلسه وليس ذلك بإمهال فإن قال أمهلوني حتى آكل فإني جائع أو ينهضم الطعام فإني كظيظ أو أصلي الفرض أو أفطر من صومي أمهل بقدر ذلك فإنه يعتبر أن يصير إلى حال يجامع في مثلها في العادة وكذلك يمهل حتى يرجع إلى بيته لأن العادة فعل ذلك في بيته وإن كان لها عذر يمنع من وطئها لم يكن لها المطالبة بالفيئة لأن الوطء ممتنع من جهتها فلم يكن لها مطالبته بما يمنعه منه ولأن المطالبة مع الاستحقاق وهي لا تستحق الوطء في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لأنه إنما يستحق عند امتناعه من الفيئة الواجبة ولم يجب عليه شيء ولكن تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر إن لم يكن العذر قاطعا للمدة كالحيض أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة .
فصل : فإن عفت عن المطالبة بعد وجوبها فقال بعض أصحابنا يسقط حقها وليس لها المطالبة بعده وقال القاضي : هذا قياس المذهب لأنها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ لعدم الوطء فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا رضيت بعنته ويحتمل أن لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت وهذا مذهب الشافعي لأنها تثبت لرفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال فكان لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت وفارق الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفا المشتري عن عيب المبيع وإن سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك لأن حقها يثبت على التراخي فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة .
فصل : والأمة كالحرة في استحقاق المطالبة سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف لأن الحق لها حيث كان الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب لأنه لا حق له فإن قيل حقه في الولد ولهذا لم يجز العزل عنها إلا بإذنه قلنا لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة ولذلك لو حلف ليعزلن عنها أو لا يستولدها لم يكن موليا ولو أن المولي وطئ بحيث يوجد التقاء الختانين حصلت الفيئة وزالت عنه المطالبة وإن لم ينزل وإنما استؤذن السيد في العزل لأنه يضر بالأمة فربما نقص قيمتها .
فصل : فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونة فليس لهما المطالبة لأن قولهما غير معتبر وليس لوليهما المطالبة لهما لأن هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة لأن المنع من جهتهما وإن كان وطؤهما ممكنا فإن أفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة تممت المدة ثم لها المطالبة وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق لهما ثابت وإنما تأخر لعدم إمكان المطالبة وقال الشافعي : لا تضرب المدة في الصغيرة حتى تبلغ وقال أبو حنيفة : تضرب المدة سواء أمكن الوطء أو لم يمكن الوطء فإن لم يمكن فاء بلسانه وإلا بانت بانقضاء المدة وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتي غابت في المدة لأن هذا إيلاء صحيح فوجب أن تتعقبه المدة كالتي يمكنه جماعها .
ولنا أن حقها من الوطء يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل الدين بسقوطه وأما التي أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لأنه إيلاء صحيح ممن يمكنه جماعها فتضرب له المدة كالبالغة ومتى قصد الإضرار بها بترك الوطء أثم ويستحب أن يقال له اتق الله فإما أن تفيء وإما أن تطلق فإن الله تعالى قال : { وعاشروهن بالمعروف } وقال تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وليس الاضرار من المعاشرة بالمعروف