مسألة وفصل : ما تحصل به الرجعة والروايات فيه .
مسألة : قال : والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي بلا ولي يحضره ولا صداق يزيده وقد روي عن أبي عبد الله C رواية أخرى أنه تجوز الرجعة بلا شهادة .
وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة إمساك لها واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الرجعة إمساكا وتركها فراقا وسراحا فقال : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وفي آية أخرى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد بها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح فأما الشهادة ففيها روايتان : .
إحداهما : تجب وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباجة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع .
والرواية الثانية : لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك و أبي حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد فإن قلنا هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة فإن ارتجع بغير شهادة لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الارتجاع فيصح .
فصل : وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول بقوله المراجعة أن يقول وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذا إحدى الروايتين عن أحمد .
والرواية الثانية : تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد و القاضي وهو قول سعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و عطاء و طاوس و الزهري و الثوري و الأوزاعي و ابن أبي ليلى وأصحاب الرأي قال بعضهم ويشهد وقال مالك و إسحاق تكون رجعة إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطء كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله كوطء البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وذكر أبو الخطاب أننا إذا قلنا الوطء مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها وإن قلنا هو محرم لم تحصل الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل كوطء المحلل .
فصل : فأما إن قبلها أو لمسها لشهوة أو كشف فرجها ونظر إليه فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجعة وقال ابن حامد فيه وجهان : .
أحدهما : هو رجعة وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يستباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطء .
والثاني : أنه ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما الخلوة بها فليس برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أنه لا تحصل الرجعة بها لأنها لا تبطل اختيار المشتري للأمة فلم تكن رجعة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس لغير شهوة والنظر لذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبه الحديث معها