فصول : الطلاق المقترن بما يبطل حكمه الشك في الطلاق .
فصل : إذا قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق لا أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد طلاقك أو طالق لا شيء أو ليس بشيء طلقت واحدة لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع وإن قال ذلك خبرا فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا وإن قال أنت طالق أولا لم يقع لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج من أن يكون لفظا لإيقاع ويخالف ما قبل ذلك فإنه إيقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الإيقاع لا لفظ الاستفهام لكون الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها وإن قال أنت طالق واحدة أولا فكذلك وبه قال أبو حنيفة و أبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد : يقع واحدة لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الإيقاع وليس بصحيح لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها يرجع إليها فصار كقوله أنت طالق أو لا شيء .
فصل : فإن قال أنت طالق بعد موتي أو موتك أو مع موتي أو موتك لم تطلق نص عليه أحمد وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لأنها تبين بموت أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم يقع الطلاق اختاره القاضي لأنه بالموت يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي واختار أبو الخطاب أنه يقع لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وإن قال إن اشتريتك فأنت طالق ثم اشتراها خرج على الوجهين وإن قال الأب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من الثلث ثم مات الأب وقع العتق والطلاق معا وإن لم تخرج من الثلث فإن بعضها ينتقل إلى الورثة فيملك الابن جزءا منها ينفسخ به النكاح فيكون كملك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم أن هذا ينبني على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة ؟ فإن قلنا هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وإن قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وهكذا إن أجاز الزوج وحده عتق أبيه فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق والصحيح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح وإن كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين عتقت وطلقت وإن لم يخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو استغرق الدين التركة وإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه .
فصل : في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله إذا قال إن لم تخبرني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق أو أكل تمرا فقال إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق ولم تعلم ذلك فإنها تعد له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك مثل أن يعلم عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب انه لا يبرأ إلا بذلك أيضا لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالأسماء العرفية التي تنصرف اليمين إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقية ولو أكل تمرا فقال إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالقول فيها كالتي قبلها وإن وقعت في ماء جار فحلف عليها إن خرجت منه أو قمت فيه فأنت طالق فقال القاضي : قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه .
وقال أبو الخطاب : لا يحنث لأن الماء المحلوف عليه جرى عنها وصارت في غيره فلم يحنث سواء أقامت أو خرجت لأنها إنما تقف في غيره أو تخرج منه وكذلك قال القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي لأن الأيمان عندهم تنبني على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها ولو قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق فكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كما قال إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق ولو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وإن نوى الجميع لم يحنث بحال ولو كانت عنده وديعة لانسان فأحلفه ظالم أن ليس لفلان عندك وديعة فإنه يحلف ما لفلان عندي وديعة وينوي بما الذي ويبر في يمينه وكذلك لو سرقت امرأته منه شيئا فحلف عليها بالطلاق لتصدقني أسرقت مني أم لا وخافت أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك وتعني الذي سرقت منك ولو استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا ؟ فإنه يعني برأيت أي ضربت رئته وذكرته أي قطعت ذكره وما طلبت منه حاجة أي الشجرة التي حبسها الحاج ولا أخذت منه فروجا يعني القباء ولا حصيرا وهو الحبس وأشباه هذا فمن لم يكن ظالما فحلف وعنى به هذا تعلقت يمينه بما عناه ولو كانت له امرأة على درجة فحلف عليها أن لا تنزل عنها ولا تصعد منها ولا تقف عليها فإنها تنتقل عنها إلى سلم آخر وتنزل إن شاءت أو تصعد أو تقف عليه لأن نزولها إنما حصل من غيرها وإن كان في يمينه ولا انتقلت عنها فإنها تحمل مكرهة ولو كان في سلم وله امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى في البيت السفلاني فحلف لا صعدت إلى هذه ولا نزلت إلى الأخرى فإن السفلى تصعد وتنزل العليا ثم ينزل إن شاء أو يصعد .
فصل : قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت المجامعة وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر مسيرة أربعة أيام وثلاثة ثم وطئها قال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره قال القاضي : إنما كره أحمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر أن يكون سفرا مقصودا مباحا وهذا لا يقصد به غير حل اليمين والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح له الفطر فيه لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا تقصر فيها الصلاة وبعيدة أن يسلك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى