فصل : هل يحمل اللفظ في الطلاق على العرف عند اختلاف النية عن اللفظ ؟ .
فصل : فإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث لأنه يعبر بفي عن مع كقوله { فادخلي في عبادي } فتقدير الكلام أنت طالق طلقة مع طلقتين فإذا أقر بذلك على نفسه قبل منه وإن قال أردت واحدة قبل أيضا حاسبا كان أو غير حاسب وقال القاضي : إذا كان عارفا بالحساب لم يقبل منه ووقع طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ .
ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي وإن لم تكن له نية وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان وقال القاضي : إن أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو بلفظ الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الإيقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع إلا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد إذا لم يقصد به واحدة مع اثنتين لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل منه الإيقاع في واحدة فوقعت دون غيرها .
ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين فإذا لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ لا يحتاج معه إلى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فإنما ذلك في وضع الحساب في الأصل ثم صار مستعملا في كل ما له عدد فصار حقيقة فيه فأما الجاهل بمقتضى ذلك في الحساب إذا طلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو لفظ واحدة وإنما صار مصروفا إلى الاثنتين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا اللفظ أو لا والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك من عرفهم أن في ههنا بمعنى مع وقع به ثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه إرادته وهو المتبادر إلى الفهم من كلامه فإن نوى موجبه عند أهل الحساب فقال القاضي لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية ولا يعرف معناها وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه إذا لم يكن يعرف موجبه فلم يقصد إيقاعه ولا يصح منه قصد ما لا يعرفه