مسألة وفصلان : عدد طلاق الرقيق .
مسألة : قال : وإذا كان المطلق عبدا وكان طلاقه اثنتين لم تحل له زوجة حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت الزوجة أو مملوكة لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء .
وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب و مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وقال ابن عمر : أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا وروي عن علي وابن مسعود أن الطلاق معتبر بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرا كان الزوج أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وبه قال الحسن و ابن سيرين و عكرمة و عبيدة و مسروق و الزهري و الحكم و حماد و الثوري و أبو حنيفة لما روت عائشة Bها عن النبي A أنه قال : [ طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ] رواه أبو داود و ابن ماجة ولأن المرأة محل للطلاق فيعتبر بها كالعدة .
ولنا أن الله تعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرا بهم ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات وحديث عائشة قال أبو داود رواية مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت : قال رسول الله A : [ طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقرء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة ] وهذا نص ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وان العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرا والآخر رقيقا .
فصل : قال أحمد : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبيد وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث [ المكاتب عبد ما بقي علي درهم ] ولأنه يصح عتقه ولا ينكح إلا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد .
وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاق وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فتثبت فيه أحكام العبيد .
فصل : قال أحمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا ويطلق ثلاث تطليقات وكذلك كلما تجزأ بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فلذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح الحر ونصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث وأما الطلاق فلا يمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولأن الأصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وإنما خولف فيمن كمل الرق في حقه ففي من عداه يبقى على الأصل .
فصل : إذا طلق العبد زوجته اثنتين ثم عتق لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجا غيره لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريما لا ينحل إلا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم وهذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس عن النبي A في المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب ورواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد الأول وقال : حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه .
وقد قال ابن المبارك من أبو حسن هذا ؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث قال أحمد أما أبو حسن فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث قال أبو بكر إن صح الحديث فالعمل عليه وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول قال أحمد ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقة واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لأنه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك إلا طلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق ولو طلق في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزويج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يعتبر حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما أن وقعتا محرمتين لم يعتبر ذلك بالعتق بعدهما