مسألة وفصلان : حكم لو قال إن لم أطلقك فأنت طالق فلا يمنع من وطئها وإذا ماتت لم يرثها .
مسألة : قال : وإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها حتى مات أو ماتت وقع الطلاق بها في آخر أوقات الإمكان .
وجملة ذلك أن حرف إن موضوع للشرط لا يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث أن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين ولا يقتضي تعجيلا فما علق عليه كان على التراخي سواء في ذلك الإثبات والنفي فعلى هذا إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها كان ذلك على التراخي ولم يحنث بتأخيره لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه فلم يفت الوقت فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه وقع إذ لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي : ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا ولو قال إن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته لأن تطليقه لحفصة على وجه تنحل به يمينه إنما يكون في حياتهم جميعا وكذلك لو قال إن لم أعتق عبدي أو إن لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا فأما أن عين وقتا بلفظه أو بنيته تعين وتعلقت يمينه به .
قال أحمد C : إذا قال إن لم أضرب فلانا فأنت طالق ثلاثا فهو على ما أراد من ذلك وذلك لأن الزمان المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بينته وإرادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبنى الإيمان على النية لقول النبي A : [ إنما لامرئ ما نوى ] .
فصل : ولا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و يحيى الأنصاري و ربيعة و مالك و أبو عبيد : لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك وقال الأنصاري و ربيعة و مالك يضرب له أجل المولي كما لو حلف أن لا يطأها .
ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم فحل له الوطء فيه كما لو قال إن طلقتك فأنت طالق وقولهم الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق فلم يقتض حكمه ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزا وعلى أن الطلاق ههنا إنما يقع في زمن لا يمكن الوطء بعده بخلاف قوله إن وطئتك فأنت طالق .
فصل : إذا كان المعلق طلاقا بائنا فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها كما لو طلقها ناجزا عند موتها وإن مات ورثته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته وإن ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء و يحيى الأنصاري ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضا وهذا قول سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و أبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط وقوعه في المرض فلم ترثه كما لو علقه على فعلها ففعلته في مرضه .
وقال أبو حنيفة : إن حلف إن لم تأتي البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنهما لا يتوارثان وإن قال : إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات ورثته وإن ماتت لم يرثها لأنه في الأولى علق الطلاق على فعلها فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق فلم ترثه كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها وإذا علقه فعل نفسه فامنتع كان الطلاق منه فأشبه ما لو نجزه في الحال ووجه الأول أنه طلاق في مرض موته فمنعه ميراثه ولم يمنعها كما لو طلقها ابتداء ولأن الزوج أخر الطلاق اختيارا منه حتى وقع ما علق عليه في مرضه فصار كالمباشرة له فأما ما ذكر عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف عليها لتتركه وإن كان مما فيه مشقة فلا ينبغي أن يسقط ميراثها بتركه كما لو حلف عليها لترك ما لا بد لها من فعله ففعلته .
فصل : إذا حلف ليفعلن شيئا ولم يعين له وقتا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي أيضا فإن لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة : { قل بلى وربي لتأتينكم } وقال : { قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم } ولما قال : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } كان ذلك على التراخي فإن الآية أنزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان .
ولذلك روي [ عن عمر أنه قال : قلت للنبي A أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى فأخبرتك أنك آتيه العام ؟ قلت لا قال : فإنك آتيه ومطوف به ] وهذا مما لا خلاف فيه نعلمه .
فصل : إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ولم يطلقها طلقت إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فيه على مقتضى هذه المسألة وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي وحكى القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر وابن شريح لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه .
ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كموت أحدهما في اليوم وذلك لأن معنى يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسألتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه باطل بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل طلاقها يفوت بموته ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا ههنا ولو قال لها أنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم أو إن لم أشتر لك اليوم ثوبا ففيه الوجهان : والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه وإن قال لها أنت طالق إن لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف وفي محل وقوعه وجهان : .
أحدهما : في آخر اليوم والثاني : بعد خروجه وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك فهو كقوله أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لأنه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط .
فصل : وإن قال لعبده : إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه الوجهان وإن أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات بيعه وإن دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال لا يقع الطلاق بذلك كما لو مات وإن وهب العبد لإنسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفت بيعه ولو قال إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع فإن عتق بالكناية أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لأنه فات بيعه