مسألة وفصول : من كنايات الطلاق قول : أنت حرة والتلفظ بكنايات الطلاق .
مسألة : قال : وإذا قال لها في الغضب أنت حرة أو لطمها فقال هذا طلاقك فقد وقع الطلاق .
الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : في أن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه وقع ولا يقع من غير ولا دلالة حال ولا نعلم حال ولا نعلم خلافا في أنت حرة أنه كناية فأما إذا لطمها وقال : هذا طلاقك فإن كثيرا من الفقهاء قالوا : ليس هذا كناية ولا يقع به طلاق وإن نوى لأن هذا لا يؤدي معنى الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فلم يصح التعبير به عنه كقوله غفر الله لك وقال ابن حامد يقع به الطلاق من غير نية لأن تقديره أوقعت عليك طلاقا هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون هذا صريحا وقول الخرقي محتمل لهذا أيضا ويحتمل أنه إنما يوقعه إذا كان في حال الغضب فيكون الغضب قائما مقام النية كما قام مقامها في قوله أنت حرة ويحتمل أن يكون لطمه لها قرينة تقوم مقام النية لأنه يصدر عن الغضب فجرى مجراه والصحيح أنه كناية في الطلاق لأنه محتمل بالتقدير الذي ذكره ابن حامد أن يريد أنه سبب لطلاقك لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه وليس بصريح لأنه احتاج إلى تقدير ولو كان صريحا لم يحتج ذلك ولأنه غير موضوع له ولا مستعمل فيه شرعا ولا عرفا فأشبه سائر الكنايات وعلى قياسه ما لو اطعمها أو ساقها أو كساها وقال : هذا طلاقك أو لو فعلت المرأة فعلا من قيام أو قعود أو فعل هو فعلا وقال : هذا طلاقك فهو مثل لطمها إلا في أن اللطم يدل على الغضب القائم مقام النية فيكون هو أيضا قائما مقام في وجه وما ذكرنا أيقوم مقام النية عند من اعتبرها .
الفصل الثاني : أنه إذا أتى بالكناية في حال الغضب فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق وذكر القاضي وأبو بكر وأبو الخطاب في ذلك روايتين .
إحداهما : يقع الطلاق قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته : أنت حرة لوجه الله في الرضاء في الغضب فأخشى أن يكون طلاقا .
الرواية الأخرى : ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة و الشافعي إلا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي واختاري وأمرك بيدك كقولنا في الوقوع واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه به فلم يقع به الطلاق كحال الرضا ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرا نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي زحبلك على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية وما كثر استعماله لغير ذلك نحو اذهبي واخرجي وروحي وتقنعي لا يقع الطلاق به إلا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا وكلام أحمد و الخرقي في بالوقوع إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الإنسان في حق زوجته غالبا إلا كناية عن الطلاق ولا ييلزم من الاكتفاء بذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوي الظن فصار ظنا غالبا ووجه الرواية الأخرى أن دلاله الحال تغير حكمك الأقوال والأفعال فإن من قال لرجل ياعفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له وإن قال في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما ولو قال : إنه لا يغدر ولا يظلم حبة خردل وما أحد أوفى ذمتة منه في حال المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان : .
فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد .
ولو قاله في حال الذم كان هجاء قبيحا كقول النجاشي : .
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل .
وقال آخر : .
كأن ربي لم يخلق لخشيته سواهم من جميع الناس انسانا .
وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال : ما أراه إلا قد سلح عليهم ولو لا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه وفي الأفعال لو أن وجلا بسيف والحال يدل على المزح واللعب لم يجز قتله ولو دلت الحال على الجد دفعه بالقتل والغضب ههنا يدل على قصد الطلاق فيقوم مقامه .
فصل : وإن أتى بالكناية في حال سؤال الطلاق فالحكم في ما إذا أتى بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه إلا أن المنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية قال في رواية أبي الحارث إذا قال : لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق فإن كان بينهما غضب قبل ذلك فيفرق بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف إلى السؤال فلو قال : لي عندك دينا ر قال : نعم أو صدقت كان إقرار به ولم يقبل منه تفسير بغير الإقرار ولو قال زوجتك ابنتي وبعتك ثوبي هذا فقال قبلت صح وكفى ولم يحتج إلى زيادة عليه ولو أراد بالكناية حال الفضل أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع فبالكناية أولى وإذا ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم ؟ فظاهر كلام حمد في رواية أبي الحارث أنه يصدق إن كان في الغضب ولا يصدق أن كان جوابا لسؤال الطلاق ونقل عنه في موضع آخر أنه إذا قال : أنت خلية أو بريئة أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه أنه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة إلا في الأربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد بإسناده أن وجلا خطب إلى قوم فقالوا : لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال : قد طلقت ثلاثا فزوجوه ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل انك طلقت ثلاثا ؟ قا لألم تعلموا أني تزوجت فلانه ثم طلقتها ثم تزوجت فلانه وطلقتها ثم تزوجت فلانه وطلقتها فسئل عثمان عن ذلك فقال له نيته ولأنه أمر يعتبر فيه فقبل قوله في ما يحتمله كما لو كرر لفظا وقال : أردت التوكيد