مسألة وفصلان : طلاق السكران .
مسألة : قال وعن أبي عبد الله C في السكران روايات : رواية يقع الطلاق ورواية لا يقع ورواية يتوقف عن الجواب ويقول : قد اختلف فيه أصحاب رسول الله A .
أما التوقف عن الجواب فليس بقول في المسألة إنما هو ترك للقول فيها وتوقف عنها لتعارض الأدلة فيها وإشكال دليلها ويبقى في المسألة روايتان .
إحداهما : يقع طلاقه اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب و عطاء و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و الشعيبي و النخعي و ميمون بن مهران و الحكم و مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي في أحد قوليه و ابن شبرمة و أبي حنيفة وصاحبيه و سليمان بن حرب لقول النبي A [ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه ] ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس قال ابن عباس طلاق السكران جائز إن ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت : إن خالدا يقول ان الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه ايقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون .
والرواية الثانية : لا يقع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان Bه ومذهب عمر ابن عبد العزيز و القاسم و طاوس و ربيعة و يحيى الأنصاري و الليث و العنبري و إسحاق و أبي ثور و المزني قال ابن المنذر : هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحد من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شيء فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأغعمش منصور لا يرفعه إلى علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره ولأن العقل شرط للتكليف إذ هو عباره عن الخطاب بأمر أو أنهى ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أ من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعدا ولو ضربت المرأة بطنها فنسفت سقطت عنها الصلاة ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قلته وسرقته فهو كمسألتنا .
فصل : والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته وإقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد في بيعه وشرائه الروايات الثلاث وسأله ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو باع فقال عنه لايصح من أمر السكران شيء وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له عليه فأما فيما له وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شيء وقد أومأ إليه أحمد والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته فيما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح تصرف له .
فصل : وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلانه ولا يعرف رداءه من رداء غيره ونعله من نعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر Bه أنه قال : استفرئوه القرآن أو ألقوا رداءه في الأردية فإن قرأ أم القرآن أو عرف رداءه وإلا فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفى على المجنون فعليه أولى