مسألتان وفصول : الستوية في الجماع بين الزوجات برضائهن .
مسألة : قال : ولو وطئ زوجته ولم يطأ الأخرى فليس بعاص .
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب مالك و الشافعي وذلك لأن الجماع طريقة الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل وقد [ كان النبي A يقسم بينهن فيعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ] وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبل ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس ونحوهما لأنه إلا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى .
مسألة : قال : ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية .
وبهذا قال علي بن أبي طالب و سعيد بن المسيب و مسروق و الشافعي و إسحاق و أبو عبيدة وذكر أبو عبيدة مذهب الثوري و الأوزاعي وأهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء كذلك ههنا .
ولنا ما روي عن علي Bه أنه كان يقول : إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها أكثر في الإيواء ويخالف النفقة والسكنى فإنه مقدر بالحاجة وحاجتها إلى ذلك كحاجة الحرة وأما قسم الإبتداء فإنما شرع ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسألتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما .
فصل : والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعا حرتين فليلة وليلة قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و النخعي و الزهري فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها ولا يحصل لها الإيواء التام بخلاف الكتابية .
فصل : فإن اعتقت الأمة في أثناء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت بعد استيفاء حقها وإن عتقت وقد قسم للحرة لم يزدها على ذلك لأنهما تساوتا فيسوي بينهما .
فصل : والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لأن الإيواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت إسقاطه وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا تجوز هبتها لحقها من القسم إلا بإذنه ولا يصح هذا لأن الوطء لا يتناوله القسم فلم يكن للولي فيه حق ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دمن سيدها فلا وجه لإثبات الحق لها ههنا .
فصل : ولا قسم على الرجل في ملك يمينه فمن كان له نساء وإماء فله الدخول على الإماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء وإن شاء أقل وإن أكثر وإن شاء ساوى بين الإماء وإن شاء فضل وإن شاء استمتع من بعضهن دون بعض بدليل قول الله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } وقد كان للنبي A مارية القبطية وريحانة فلم يكن يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا ولا تضرب لها مدة الإيلاء لكن إن احتاجت إلى النكاح فعليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها .
فصل : ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن وقال القاضي : له أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا وثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن والأولى مع هذا ليلة وليلة لأنه أقرب لعهدهن به وتجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي .
ولنا أن النبي A إنما قسم ليلة ليلة ولأن التسوية واجبة وإنما جوزت البداءة بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند واحدة ليلة تعينت الليلة الثانية حقا للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولأنه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولأن للتأخير آفات فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق .
فصل : فإن قسم لإحداهما ثم طلق الأخرى قبل قسمها أثم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين فإن قسم لإحداهما ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي أو لا تبت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم .
فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة استأنف القسم بينهما ولم يقض الناشز لأنها أسقطت حق نفسها وإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها وأقام عند الاثنتين ثلاثين ليلة ثم أطاعته الناشز وأراد القضاء للمظلومة فإنه يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل الناشز خمس ثم يستأنف القسم بين الجميع فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي المظلومة فإنه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكرا وثلاث إن كانت ثيبا لحق العقد ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة .
فصل : فإن كان امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فأما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه ويجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان سقط حقها لنشوزها وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر وأكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما .
فصل : ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعا ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها ثابت في كل وقت إنما منعته المزاحمة صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت منفردة وقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله A يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه ويجوز ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها وروى ابن ماجة [ عن عائشة أن رسول الله A وجد على صفية بنت حيي في شيء فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عني رسول الله A ولك يومي ؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي A فقال رسول الله A : إليك يا عائشة أنه ليس يومك قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فأخبرته بالأمر فرضي عنها ] فإذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض وإن وهبتها لواحدة منهن كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة وإلى بينهما وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخير حق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها فلم يجز وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها وفيه وجه آخر إنه يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز إطراحها .
ومتى رجعت الواهبة في ليلتها فلها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها .
فصل : فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده عليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها وإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها أو غيره عنها جاز فإن عائشة أرضت رسول الله A عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله A فلم ينكره