مسائل وفصول : نماء المهر أو نقصه إذا كلفت قبل الدخول .
مسألة : قال : فإذا أصدقها غنما فتوالدت ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها ورجع بنصف الأمهات إلا أن تكون الولادة نقصتها فيكون مخيرا بين أن يأخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها أو يأخذ نصفها ناقصة .
قد ذكرنا أن المهر يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة لها وإن نقص فعليها وإذا كانت غنما فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد بها دونه لأنه نماء ملكها ويرجع في نصف الأمهات إن لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها وقد قال الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لأنه راض بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب العقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه .
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض وما ذكروه فغير صحيح لأن الطلاق ليس برفع للعقد ولا النماء من موجبات العقد إنما هو من موجبات الملك إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه والزيادة لها فتنفرد بالأولاد وإن نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له ذلك وقال أبو حنيفة : إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الأولاد أيضا لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالأم فسرى إلى الولد كحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق يتنصف بالطلاق كالذي دخل في العقد .
ولنا قول الله تعالى : { فنصف ما فرضتم } وما فرض ههنا إلا الأمهات فلا يتنصف فلا يتنصف سواها ولأن الولد حدث في ملكها فأشبه ما حدث في يدها ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب وإلا لم يضمنه لأنه تبع لأمه .
فصل : والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم فإذا ولدت كان الولد لها كولد الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع أيضا في نصف قيمتها وقت ما أصدقها لا غير .
فصل : وإن كان الصداق بهيمة حاملا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها وليس ذلك معدودا نقصا ولذلك لا يرد به المبيع وإن كان أمة فحملت فقد زادت من وجه لأجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لأجل النقص وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز وإن أصدقها حاملا فولدت فقد أصدقها عينين الجارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن طلقها فرضيت ببذل النصف من الأم والولد جميعا أجبر على قبولهما لأنها زيادة غير متميزة وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الأم لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الأم وفي نصف الولد وجهان : .
أحدهما : لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الأنفصال قد زاد في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته ويفارق ولد المغرور فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة فلهذا قوم فيها بخلاف مسألتنا .
والثاني : له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة الأنفصال لأنها أول حالة تقويمه وفي المسألة وجد آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث .
فصل : إذا كان الصداق مكيلا أو موزونا فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها أو كان غير المكيل والموزون فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه لأنه من ضمانه وتتخير المرأة بين أخذ نصفه ناقصا مع أرش النقص وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها لأنه إن زاد فلها وإن نقص فعليه بمنزلة الغاصب ولا يضمن زيادة القيمة لتغير الأسعار لأنها ليست من ضمان الغاصب فههنا أولى .
مسألة : قال : وإذا أصدقها أرضا فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا فلا يكون له غيره .
إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائدا فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وإن بذل لها نصف قيمة البناء والصبغ ويكون لها النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي : هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها تجبر على قبوله لأن بيع البناء معاوضة فلا تجبر المرأة عليها والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا اخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غرس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها .
فصل : إذا أصدقها نخلا حائلا فاثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فإن جذها بعد تناهيها وجعلها في ظروف وألقى عليها صفرا من صفرها وهو سيلان الرطب بغير طبخ وهذا يفعله أهل الحجاز حفظا لرطوبتها لم يخل من ثلاثة أحوال : .
أحدها : أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فإنه يردهما عليها ولا شيء عليه .
الثاني : أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين أحدهما : أن يكون نقصهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما لأنه تعدى بما فعله من ذلك الضرب الثاني : أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان أحدهما : أنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة الثاني : هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر نقصها وتأخذها وأرشها كالمغصوب منه .
الحال الثالث : أن لا تنقص قيمتها لكن إن أخرجها من ظروفها نقصت قيمتها فللزوج إخراجها وأخذ ظروفها إن كانت الظروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرناه وإن قال الزوج : أنا أعطيكها مع ظروفها فقال القاضي : يلزمها قبولها لأن ظروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لأن الظروف عين ماله فلا يلزمها قبولها كالمنفصلة عنها .
فصل : فإن كانت بحالها إلا إن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد الثمرة والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها فإن قال أنا أسلمها مع الصفر والظروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له رده إذا قالت أنا أراد الثمرة وآخد الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر لس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرناها في موضعها .
فصل : إذا كان الصداق فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطء عليه فعليه الحد لأنه وطء في غير ملكه وعليه المهر ليسدتها أكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع والولد رقيق للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو غير عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لاحق نسبه به وعليه قيمته يوم ولادته ولا تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها وتخير المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها بإحبالها وهل لها الأرش مع ذلك ؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لأن النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح .
فصل : إذا أصدق ذمي ذمية خمرا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل الدخول احتمل أن لا يرجع عليها بشيء لأنها قد زادت في يدها بالتخلل والزيادة لها وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض وحينئذ لا قيمة لها وإن تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما