مسألة وفصل : فرض المهر للمفوضة ويجب بالعقد .
مسألة : قال : ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيته .
وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض المهر لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو غير عالمين به وقال الشافعي في قول له : لا يصح الفرض لغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما .
ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذلك من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا تمنع من ذلك وقولهم أنه بدل غير صحيح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلاص ولو كان بدلا لما جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا وقد [ روى عقبة بن عامر قال : قال رسول الله A : أترضى أني أزوجك فلانة ؟ قال : نعم وقال للمرأة : أترضين أن أزوجك فلانا ؟ قالت : نعم فزوج أحدهما صاحبه ودخل عليها ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله A زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وأني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف ] فأما إن تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء وإن فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به وإن تشاحا وارتفعا إلى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل المثل ولأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا أتلفت فرجعا في تقويمها إلى أهل الخبرة ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه وإذا فرضه الحاكم لزم ما فرضه سواء رضيته أو لم ترضه كما يلزم ما حكم به .
فصل : وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرضه لها فرضيته احتمل أن لا يصح لما ذكرنا ويكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقام الزوج في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين وذكروا وجها ثالثا أنه يرجع نصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي وجها لنا ثالثا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول رجع نصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه والله أعلم .
فصل : ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم : لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجيء على أصل الشافعي غير هذا لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد .
ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطء ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل من سمي لها إلى النصف المسمى لها والله أعلم .
فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تغير مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرنا ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين