مسألة وفصول : ما تستحقه المفوضة إذا كلفت قبل الدخول وحكم المتعة لها .
مسألة : قال : وإذا تزوجها بغير صداق لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول إلا المتعة .
وجملته أن النكاح يصح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم وقد دل على هذا قول الله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } .
و [ روي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات قال ابن مسعود : لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ؟ فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله A في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك ولو قال : زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا .
وقال بعض الشافعية : لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح لأنه قد صح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد وما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الأخرى وليست كالموهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر إذا ثبت هذا فإن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل إليها على أنها فاعلة مثل مقومة ومن فتح إضافة إلى وليها ومعنى التفويض الإهمال كأنها أهملت أمر المهر حيث لم تسمه ومنه قول الشاعر : .
( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا ) .
يعني مهملين والتفويض على ضربين : تفويض بضع وتفويض مهر فأما تفويض البضع فهو الذي ذكره الخرقي وفسرناه وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض وأما تفويض المهر فهو أن يجعل الصداق إلى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو على حكمي أو حكمها أو حكم أجنبي ونحو فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام الخرقي لأنها لم تزوج نفسها إلى بصداق لكنه مجهول فسقط لجهله ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهرا بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل .
وقال الشافعي : لا يكون التفويض إلا في الصورة الأولى وقد سبق الكلام معه في إن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فكذلك يجوز تفويضه فإذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية الجماعة هو قول ابن عمر وابن عباس والحسن و عطاء و جابر بن زيد و الشعبي و الزهري و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن الواجب لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى محرما .
وقال مالك و الليث و ابن أبي ليلى : المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال : { حقا على المحسنين } فخصهم بها فيدل أنها على سبيل الإحسان والتفضل والإحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة لم تختص المحسنين دون غيرهم .
ولنا قوله تعالى : { ومتعوهن } أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } وقال تعالى : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن } ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهرا وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بينهما .
فصل : فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر و عطاء و الشعبي و النخعي و الشافعي و أبي عبيد وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسميته فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها .
ولنا قوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد .
فصل : ومن أوجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمي لها صداق أو لم يسم لها لكن فرض بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمي لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن و سعيد بن جبير و أبي قلابة و الزهري و قتادة و الضحاك و أبي ثور لظاهر قوله تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } ولقوله تعالى لنبيه عليه السلام : { قل لأزواجك } - إلى قوله - { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } وعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو مسمى لها مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا للمفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر : كل من روى عن أبي عبد الله فيما أعلم روى عنه أنه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسم لها مهر إلا حنبلا فإنه روى عن أحمد أن لكل مطلقة متاعا قال أبو بكر : والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها .
ولنا قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } ثم قال : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تقسيمه النساء قسمين وإثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الأمر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب لدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعا بين دلالة الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غيره كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم تجب لها عند الفرقة كالمتوفي عنها زوجها .
فصل : ولو طلق المسمى لها بعد الدخول أو المفوضة لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة منهما إلا على رواية حنبل وقد ذكرنا ذلك وذكرنا قول من ذهب إليه وظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة منهما وهو قول أبي حنيفة ول الشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يمنعها نص عليه أحمد فقال : أوجبها على من لم يسم صداقا فإن كان سمي صداقا فلا أوجبها عليه وأستحب أن يمنع وإن سمى لها صداقا وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالتها على إيجابها وقول علي Bه ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها من الاستحباب أو على أنه أريد به الخصوص وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما يتناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود .
فصل : والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والمسلم والذمي والحرة والأمة والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة .
ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من العوض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر .
فصل : فأما المفوضة لمهر وهي التي يتزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبيها بغير صداق بغير أذنها أو التي مهرها فاسد فإنه لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وقد صرح به في التي مهرها فاسد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر كالمفوضة وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها من تسمية صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شيء .
ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيته بغير صداق وعاد بضعها سليما فعوضت المتعة بخلاف مسألتنا .
فصل : وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما يسقط به المسمى من الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعة لأنها أقيمت مقام نصف المسمى فسقطت في موضع يسقط كما تسقط الأبدال بما يسقط مبدلها .
فصل : قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قبل الدخول قال لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كما لا ينقضي بها نصف المسمى ولأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا تنقضي بالهبة كالمسمى