مسألتان وفصول : إذا تبين أن المهر معيبا أو غير متقوم .
مسألة : قال : وإذا أصدقها عبدا بعينه فوجدت به عيبا فردته فلها عليه قيمته .
وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيرا فإن كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به .
ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير وإذا رد به فلها قيمته لأن العقد لا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه وإن كان الصداق مثليا كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه وإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب وإن حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيبا خيرت بين أخذ أرشه وبين رده ورد أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت في ذلك كالبيع وسائر فروع الرد بالعيب فيثبت فيها ههنا مثل ما يثبت في البيع لما ذكرنا .
فصل : وإن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما ترد به في البيع وهكذا إن دلسه تدليسا يرد به المبيع مثل تحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وتضمير الماء على الحجر وأشباه ذلك فلها الرد به وإن وجدت الشاة مصراة فلها ردها ورد صاع من تمر قياسا على البيع وقد نقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على ألف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار إن شاءت أخذت الدار وإن شاءت أخذت قيمة ألف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت الرد لأنه شرط شرطا مقصودا فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلاف وجوز أحمد الإمساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الإمساك أرشا لأن ذلك ليس بعيب ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة نقصها أو ردها وأخذ قيمتها .
مسألة : قال : وكذلك إذا تزوجها على عبد فخرج حرا أو استحق سواء سلمه إليها أو لم يسلمه .
وجملة ذلك إنه إذا تزوجها على عبد تظنه عبدا مملوكا حرا أو مغصوبا فلها قيمته وبهذا قال أبو يوسف و الشافعي في قديم قوليه وقال في الجديد لها مهر المثل وقال أبو حنيفة و محمد في المغصوب كقولنا وفي الحر كقوله لأن العقد تعلق بعين الحر بإشارته إليه فأشبه ما لو علماه حرا .
ولنا أن العقد وقع على التسمية فكانت لها قيمته كالمغصوب ولأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا فكان لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردته بخلاف ما إذا قال أصدقتك هذا الحر أو هذا المغصوب فإنها رضيت بلا شيء لرضاها بما تعلم أنه ليس بمال أو بما لا يقدر على تمليكه إياها فكان وجود التسمية كعدمها فكان لها مهر المثل وقول الخرقي سواء سلمه إليها أو لم يسلمه يعني أن تسليمه لا يفيد شيئا لأنه سلم ما لا يجوز تسليمه ولا تثبت اليد عليه فكان وجوده كعدمه .
فصل : فإن أصدقها مثليا فبان مغصوبا فلها مثله لأن المثل أقرب إليه ولهذا يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها جرة خل فخرجت خمرا أو مغصوبة فلها مثل ذلك خلا لأن الخل من ذوات الأمثال وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وقال القاضي : لها قيمته لأن الخمر ليس بمال ولا من ذوات الأمثال والصحيح ما قلناه لأنه سماه خلا فرضيت به على ذلك فكان لها بدل المسمى كالحر وما ذكره ببطل بما إذا أصدقها فبان حرا ولأنه إن أوجب قيمة الخمر فالخمر لا قيمة له وإن أوجب قيمة الخل فقد اعتبر التسمية في إيجاب قيمته ففي إيجاب مثله أولى .
فصل : فإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل أو عبد فلان هذا وأشار إلى عبده صحت التسمية ولها المشار إليه لأن المعقود عليه يصح العقد عليه فلا يختلف حكمه بإختلاف صفته كما لو قال : بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض أو هذا الطويل إلى قصير .
فصل : وإن تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق في تملكه ولها قيمة الآخر نص عليه أحمد وإن كان عبدا واحدا فخرج نصفه حرا أو مغصوبا فلها الخيار بين رده وأخذ قيمته وبين إمساك نصفه وأخذ قيمة باقيه نص عليه أحمد لأن الشركة عيب فكان لها الفسخ كما لو وجته معيا فإن قيل فلم لا تقولون ببطلان التسمية في الجميع وترجع بالقيمة كلها في المسألتين كما في تفريق الصفقة قلنا إن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مسمى في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل العقد في الجميع صرنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن المبيع وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس ماله وههنا لا ينفسخ العقد وإنما رجع إلى قيمة الحر منهما لتعذر تسليمه فلا وجه لإيجاب قيمته وأما إذا كان نصفه حرا ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة : إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد صداقا ولا شيء لها سواه .
ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شيء كما لو كان منفردا