مسألتان وفصول في عتق الأمة ونكاحها واختيارها وغير ذلك .
مسألة : قال C : فإن كانت لنفسين فاعتق أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسرا .
إنما شرط الإعسار في المعتق لأن الموسر يسري عتقه إلى جميعها فتصير حرة ويثبت لها الخيار والمعسر لا يسري عتقه بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن احمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها أكمل منه فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية ووجه قول الخرقي أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأنها كاملة الأحكام وأيضا ما علل به أحمد وهو أن العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها .
فصل : ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين ثم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات ولا يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث ولها الخيار وإن لم تكن قبضته عتق ثلثها في الحال وفي الخيار لها وجهان فكلما اقتضي من مهرها شيء عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفى كله عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها الخيار قبل ذلك فإن كان زوجها قد وطئها قبل استيفاء مهرها فقد بطل خيارها عند من جعل لها الخيار فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما إن عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها على قول الخرقي لأن فسخها النكاح يسقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها فيرق ثلثاها ويسقط خيارها فيفضي إثبات الخيار لها إلى اسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر فإذا استوفى عتق ثلثاها وعلى قول من أسقطه يعتق ثلثها .
مسألة : قال : فإن اختارت المقام معه قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها وإن اختارته بعد الدخول فالمهر للسيد .
وجملته أن المعتقة إن اختارت المقام مع الزوج قبل الدخول أو بعده أو اختارت الفسخ بعد الدخول فالمهر واجب لأنه واجب بالعقد فإذا اختارت المقام فلم يوجد به مسقط وإن فسخت بعد الدخول فقد استقر بالدخول فلم يسقط بشيء وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده وقال أصحاب الشافعي إن كان الدخول قبل العتق أو بعده فالواجب المسمى وإن كان بعده فالواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى حالة العتق فصار الوطء في نكاح فاسد .
ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ فأوجب المسمى كما لو لم يفسخ ولأنه لو وجب بالوطء بعد الفسخ لكان المهر لأنها حرة حينئذ وقولهم إن الوطء في نكاح فاسد غير صحيح فإنه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطء في النكاح الصحيح من الإحلال للزوج الأول والإحصان وكونه حلالا وأما إن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى للسيد نصف المهر لأنه وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره .
ولنا أن الفرقة جائت من قبلها فسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها رضاعه وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطتها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه بإسلامها وردتها .
فصل : ولو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد أيضا لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض وكذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شيء إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه .
فصل : فإن طلقها طلاقا بائنا ثم أعتقت فلا خيار لها لأن الفسخ إنما يكون في نكاح ولا نكاح ههنا وإن كان رجعيا فلها الخيار في العدة لأن نكاحها باق فيمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة فإنها لا تأمن رجعته إذا لم يفسخ فإن قيل فيفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عدة أخرى وإذا فسخت في عدتها ثبتت على ما مضى من عدتها ولم تحتج إلى عدة أخرى لأنها معتدة من الطلاق والفسخ لا ينافيها ولا يقطعها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى وينبني على عدة حرة لأنها عتقت في أثناء العدة وهي رجعية فإن اختارت المقام بطل خيارها وقال الشافعي لا يبطل لأنها اختارت المقام مع جريانها إلى البينونة وذلك ينافي اختيار المقام .
ولنا أنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وإن لم تختر شيئا لم يسقط خيارها لأنه على التراخي ولأن سكوتها لا يدل على رضاها لاحتمال أنه كان لجريانها إلى بينونة اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها فلها الفسخ حينئذ فإن فسخت ثم عاد فتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن أعتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار حرا فملك ثلاث طلقات كسائر الأحرار .
فصل : فإن طلقها بعد عتقها وقبل اختيارها أو طلق الصغيرة والمجنونة بعد العتق وقع طلاقه وبطل خيارها لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فنفذ كما لو لم يعتق وقال القاضي طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع الطلاق لأنه طلاقه يتضمن إبطال حقها من الخيار وإن لم تختر وقع ولـ لشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ استند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعا في نكاح مفسوخ .
ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم تختر وقد ذكرنا أن الفسخ يوجب الفرقة حينئذ ولا يجوز تقديم الفرقة عليه والحكم لا يتقدم سببه ولأن العدة تبتدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطء وطء في نكاح صحيح يثبت الإحصان والإحلال للزوج الأول ولو كان الفسخ سابقا عليه لانعكست الحال وقول القاضي أنه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع زيادة وجوب نصف المهر وتصير العدة عليها فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وإن لم تختر الفسخ كما لم يصح تصرف المشتري في المبيع في مدو الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق بائنا فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا فعلى قولهم إذا طلقها قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وإن لم يفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق .
فصل : وللمعتقة الفسخ من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه غير مجتهد فيه فلم يفتقر إلى حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف الفسخ في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للإعسار .
فصل : فإن اختارت المعتقة الفراق كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة و الثوري و الحسن بن حي و الشافعي وذهب مالك و الأوزاعي و الليث إلى أنه طلاق بائن قال مالك إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فتطلق ثلاثا واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا أن أحدا من الصحابة أنكر ذلك ولأنها تملك الفراق فملكت الطلاق كالرجل .
ولنا قوله A : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت النكاح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدي إلى معناه فصح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق .
فصل : وإن عتق زوج الأمة لم يثبت له خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح وكذلك لا تعتبر الكفاءة إلا في الرجل دون المرأة ولو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يثبت له خيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبدا كان لها الخيار وكذلك في الإستدامة لكن إن عتق ووجد الطول لحرة فهل يبطل نكاحه ؟ على وجهين تقدم ذكرهما .
فصل : وإذا عتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده من أمته ثم أعتقا جميعا فقالت الأمة زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد فقيل أرأيت إن كان الزوج لغير السيد لمن تكون الزيادة ؟ قال للأمة وعلى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني وقال القاضي الزيادة للسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا أن الزيادة في الصداق تلحق بالعقد الأول فتكون كالمذكورة فيه والذي قلناه أصح لأن الملك في الزيادة إنما ثبت حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها ككسبها والموهوب لها وقولنا أن الزيادة تلحق بالعقد معناه أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقا وليس معناه أنا تبينا أن الملك كان ثابتا فيها وكان لسيدها فإن هذا محال ولأن سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه لأنه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتا للمعتق فيه حين التزويج للزمته وزكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه